للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أَنَّ لِكُلِّ زَوْجَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ كَانَ لَوْ قُسِمَ الْمَالُ كُلُّهُ بِغَيْرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ لَكِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ مِنْ حِصَّةِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَيَكُونُ الَّذِي يُورَثُ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرُ يَخِفُّ الْوَهْمُ فِي الْحِسَابِ وَيَبْقَى التَّفَاوُتُ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ فَقَطْ. لَكِنْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ تَرِكَةَ الزُّبَيْرِ بَلَغَتْ أَحَدًا أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَهَذَا أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ، لَكِنَّهُ أَيْضًا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ، وَكَأَنَّ الْقَوْمَ أَتَوْا مِنْ عَدَمِ إِلْقَاءِ الْبَالِ لِتَحْرِيرِ الْحِسَابِ، إِذِ الْغَرَضُ فِيهِ ذِكْرُ الْكَثْرَةِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنِ الْبَرَكَةِ فِي تَرِكَةِ الزُّبَيْرِ إِذْ خَلَّفَ دَيْنًا كَثِيرًا وَلَمْ يُخَلِّفْ إِلَّا الْعَقَارَ الْمَذْكُورَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَبُورِكَ فِيهِ حَتَّى تَحَصَّلَ مِنْهُ هَذَا الْمَالُ الْعَظِيمُ.

وَقَدْ جَرَتْ لِلْعَرَبِ عَادَةٌ بِإِلْغَاءِ الْكُسُورِ تَارَةً وَجَبْرِهَا أُخْرَى فَهَذَا مِنْ ذَاكَ، وَقَدْ وَقَعَ إِلْغَاءُ الْكُسُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي عِدَّةِ رِوَايَاتٍ بِصِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ بَلَغَ ثُمُنُ نِسَاءِ الزُّبَيْرِ أَلْفَ أَلْفٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَفِي رِوَايَةِ عَثَّامِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لِابْنِهِ: انْظُرْ دَيْنِي وَهُوَ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ أَنَّ قِيمَةَ مَا تَرَكَهُ الزُّبَيْرُ كَانَ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَفِي رِوَايَةِ السَّرَّاجِ أَنَّ جُمْلَةَ مَا حَصَلَ مِنْ عَقَارِهِ نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ مِيرَاثَهُ قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي النَّوَادِرِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَفِي الْمُجَالَسَةِ لِلدِّينَوَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ تَرَكَ مِنَ الْعُرُوضِ قِيمَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الرُّوَاةَ لَمْ يَقْصِدُوا إِلَى التَّحْرِيرِ الْبَالِغِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ، عَنِ ابْنِ سَعْدٍ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إِنَّ جَمِيعَ الْمَالِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَيَبْقَى الْوَهْمُ فِي قَوْلِهِ وَمِائَتَا أَلْفٍ، قَالَ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ مِائَةَ أَلْفٍ وَاحِدَةً، قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَقَدْ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ الْوَهْمُ فِي لَفْظِ مِائَتَا أَلْفٍ حَيْثُ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الزَّوْجَاتِ، وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا الصَّوَابُ مِائَةُ أَلْفٍ وَاحِدَةٌ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

قُلْتُ: وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ يُتَعَجَّبُ مِنْ وُقُوعِ مِثْلِهِ فِيهِ مَعَ تَيَقُّظِهِ لِلْوَهْمِ الَّذِي فِي الْأَصْلِ وَتَفَرُّغِ بَالِهِ لِلْجَمْعِ وَالْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ زَوْجَةٍ إِذَا كَانَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَةَ أَلْفٍ لَا يَصِحُّ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمَالِ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَةَ أَلْفٍ، بَلْ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمَالِ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَةَ أَلْفٍ إِذَا كَانَ نَصِيبُ كُلِّ زَوْجَةٍ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْقُطْبِ الْحَلَبِيِّ، عَنِ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّ الْوَهْمَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي نَصِيبِ كُلِّ زَوْجَةٍ إِنَّهُ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ أَلْفُ أَلْفٍ سَوَاءٌ بِغَيْرِ كَسْرٍ، وَإِذَا اخْتَصَّ الْوَهْمُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَحْدَهَا خَرَجَ بَقِيَّةُ مَا فِيهِ عَلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثُّمُنُ أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ فَيَكُونَ ثُمُنًا مِنْ أَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ الثُّلُثُ صَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا الدَّيْنُ صَارَ الْجَمِيعُ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ، فَلَعَلَّ بَعْضَ رُوَاتِهِ لَمَّا وَقَعَ لَهُ ذِكْرُ مِائَتَا أَلْفٍ عِنْدَ الْجُمْلَةِ ذَكَرَهَا عِنْدَ نَصِيبِ كُلِّ زَوْجَةٍ سَهْوًا، وَهَذَا تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَرِثَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ لِلزُّبَيْرِ رُبُعَ الثُّمُنِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ وَجَّهَهُ الدِّمْيَاطِيُّ أَيْضًا بِأَحْسَنَ مِنْهُ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ فَجَمِيعُ مَالِ الزُّبَيْرِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِهِ

قِيمَةُ مَا خَلَّفَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ تِسْعَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ بِمُقْتَضَى مَا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ أَلْفِ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ وَهُوَ رُبُعُ الثُّمُنِ فِي ثَمَانِيَةٍ مَعَ ضَمِّ الثُّلُثِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قُدِّرَ الدَّيْنُ حَتَّى يَرْتَفِعَ مِنَ الْجَمِيعِ تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ حَصَلَ هَذَا الزَّائِدُ مِنْ نَمَاءِ الْعَقَارِ وَالْأَرَاضِي فِي