وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي وَلِسَعِيدٍ حَفِيدِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الْأَشْرِبَةِ وَالتَّوْحِيدِ، وَعَمُّهُ زِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ تَقَدَّمَتْ لَهُ رِوَايَاتٌ أُخْرَى فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَكَرَ أَبُو الشَّيْخِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ حَيَّةَ وَلِيَ إِمْرَةَ أَصْبَهَانَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.
قَوْلُهُ: (بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الْأَمْصَارِ) أَيْ فِي مَجْمُوعِ الْبِلَادِ الْكِبَارِ، وَالْأَفْنَاءُ بِالْفَاءِ وَالنُّونِ مَمْدُودٌ جَمْعُ فِنْوٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَيُقَالُ فُلَانٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ إِذَا لَمْ تُعَيَّنْ قَبِيلَتُهُ. وَالْمِصْرُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْكِرْمَانِيِّ الْأَنْصَارِ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمِيمِ وَشَرَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي بَعْضِهَا الْأَمْصَارُ.
قَوْلُهُ: (فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ) فِي السِّيَاقِ اخْتِصَارٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ إِسْلَامَ الْهُرْمُزَانِ كَانَ بَعْدَ قِتَالٍ كَثِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَدِينَةِ تُسْتَرَ، ثُمَّ نَزَلَ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ فَأَسَرَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ مَعَ أَنَسٍ فَأَسْلَمَ فَصَارَ عُمَرُ يُقَرِّبهُ وَيَسْتَشِيرُهُ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ - بِالتَّصْغِيرِ - ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ وَاطَأَ أَبَا لُؤْلُؤَةَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ فَعَدَا عَلَى الْهُرْمُزَانِ فَقَتَلَهُ بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ، وَسَتَأْتِي قِصَّةُ إِسْلَامِ الْهُرْمُزَانِ بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ. وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ، وَكَانَ مِنْ زُعَمَاءِ الْفُرْسِ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ) بِالتَّشْدِيدِ، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي قَصْدِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ الْهُرْمُزَانَ فِي فَارِسَ وَأَصْبَهَانَ وَأَذْرَبِيجَانَ أَيْ بِأَيِّهَا يَبْدَأُ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُ فِي جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْهُرْمُزَانُ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَكَانَ أَعْلَمَ بِأَحْوَالِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الْآخَرُ فَارِسُ نَظَرٌ، لِأَنَّ كِسْرَى هُوَ رَأْسُ أَهْلِ فَارِسَ، وَأَمَّا قَيْصَرُ صَاحِبُ الرُّومِ فَلَمْ يَكُنْ كِسْرَى رَأْسًا لَهُمْ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ الْمَذْكُورَةِ قَالَ: فَإِنَّ فَارِسَ الْيَوْمَ رَأْسٌ وَجَنَاحَانِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّ قَيْصَرَ كَانَ بِالشَّامِ ثُمَّ بِبِلَادِ الشَّمَالِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُمْ بِالْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَالْمَشْرِقِ. وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ كِسْرَى رَأْسَ الْمُلُوكِ وَهُوَ مَلِكُ الْمَشْرِقِ وَقَيْصَرَ مَلِكَ الرُّومِ دُونَهُ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ جَنَاحَانِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَجْعَلَ الْجَنَاحَ الثَّانِيَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ كَمُلُوكِ الْهِنْدِ وَالصِّينِ مَثَلًا، لَكِنْ دَلَّتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِلَّا أَهْلَ بِلَادِهِ الَّتِي هُوَ عَالِمٌ بِهَا، وَكَأَنَّ الْجُيُوشَ إِذْ ذَاكَ كَانَتْ بِالْبِلَادِ الثَّلَاثَةِ، وَأَكْثَرُهَا وَأَعْظَمُهَا بِالْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا كِسْرَى لِأَنَّهُ كَانَ رَأْسُهُمْ.
قَوْلُهُ: (فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى) فِي رِوَايَةِ مُبَارَكٍ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ قَالَ: فَاقْطَعِ الْجَنَاحَيْنِ يَلِنْ لَكَ الرَّأْسُ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: بَلِ اقْطَعِ الرَّأْسَ أَوَّلًا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عَادَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ) بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ الْمُزَنِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ هَاجَرَ هُوَ وَإِخْوَةٌ لَهُ سَبْعَةٌ وَقِيلَ عَشَرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِنَّ لِلْإِيمَانِ بُيُوتًا، وَإِنَّ بَيْتَ آلِ مُقَرِّنٍ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ وَكَانَ النُّعْمَانُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ الْقَادِسِيَّةِ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْمَذْكُورَةِ فَدَخَلَ عُمَرُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِالنُّعْمَانِ يُصَلِّي فَقَعَدَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إِنِّي مُسْتَعْمِلُكَ، قَالَ أَمَّا جَابِيًا فَلَا، وَلَكِنْ غَازِيًا، قَالَ: فَإِنَّكَ غَازٍ، فَخَرَجَ مَعَهُ الزُّبَيْرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَابْنُ عَمْرٍو، وَالْأَشْعَثُ، وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَأَرَادَ عُمَرُ الْمَسِيرَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَعَثَ النُّعْمَانَ وَمَعَهُ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنْ يَسِيرَ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَإِلَى حُذَيْفَةَ أَنْ يَسِيرَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا بِنَهَاوَنْدَ، وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْهَاءِ وَالْوَاوِ وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: وَإِذَا الْتَقَيْتُمْ فَأَمِيرُكُمُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهَا نَهَاوَنْدُ.
قَوْلُهُ: (خَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى) سَمَّاهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute