رِوَايَتِهِ بُنْدَارٌ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، فَلَعَلَّ أَحَدَهُمَا لَقَبُهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ تَرْجُمَانُ) فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَرْسَلَ بُنْدَارٌ إِلَيْهِمْ أَنْ أَرْسِلُوا إِلَيْنَا رَجُلًا نُكَلِّمُهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ نَهَرٌ. فَسَرَّحَ إِلَيْهِمُ الْمُغِيرَةَ، فَعَبَرَ النَّهَرَ، فَشَاوَرَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ أَصْحَابَهُ كَيْفَ نَقْعُدُ لِلرَّسُولِ؟ فَقَالُوا لَهُ: اقْعُدْ فِي هَيْئَةِ الْمُلْكِ وَبَهْجَتِهِ، فَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَامَ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ حَوْلَ سِمَاطَيْنِ عَلَيْهِمْ أَسَاوِرُ الذَّهَبِ وَالْقِرَطَةُ وَالدِّيبَاجُ، قَالَ: فَأَذِنَ لِلْمُغِيرَةِ فَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ رَجُلَانِ وَمَعَهُ رُمْحُهُ وَسَيْفُهُ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِرُمْحِهِ فِي بُسُطِهِمْ لِيَتَطَيَّرُوا وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَمَضَيْتُ وَنُكِّسَتْ رَأْسِي فَدُفِعْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ الرَّسُولَ لَا يُفْعَلُ بِهِ هَذَا.
قَوْلُهُ: (مَا أَنْتُمْ) هَكَذَا خَاطَبَهُ بِصِيغَةِ مَنْ لَا يَعْقِلُ احْتِقَارًا لَهُ، وَفِي رِوَايَته ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَصَابَكُمْ جُوعٌ وَجَهْدٌ فَجِئْتُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ مِرْنَاكُمْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ أَعْطَيْنَاكُمُ الْمِيرَةَ أَيِ الزَّادَ وَرَجَعْتُمْ. وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَطْوَلُ النَّاسِ جُوعًا وَأَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَمَا مَنَعَنِي أَنْ آمُرَ هَؤُلَاءِ الْأَسَاوِرَةَ أَنْ يَنْتَظِمُوكُمْ بِالنِّشَابِ إِلَّا تَنَجُّسًا لِجِيَفِكُمْ، قَالَ: فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: مَا أَخْطَأْتَ شَيْئًا مِنْ صِفَتِنَا، كَذَلِكَ كُنَّا، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولَهُ.
قَوْلُهُ: (نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي شَرَفٍ مِنَّا، أَوْسَطُنَا حَسَبًا، وَأَصْدَقُنَا حَدِيثًا
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ) هَذَا الْقَدْرُ هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِيهِ إِخْبَارُ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمَجُوسِ حَتَّى يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، فَفِيهِ دَفْعٌ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الشَّقَاءِ حَتَّى نَغْلِبَكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ النُّعْمَانُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُخْتَصَرًا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَوْلُ النُّعْمَانِ، لِلْمُغِيرَةِ رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللَّهُ مِثْلَهَا، أَيْ مِثْلَ هَذِهِ الشِّدَّةِ، وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُنَدِّمْكَ أَيْ مَا لَقِيتَ مَعَهُ مِنَ الشِّدَّةِ وَلَمْ يُحْزِنْكَ أَيْ لَوْ قُتِلْتَ مَعَهُ لِعِلْمِكَ بِمَا تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ النَّعِيمِ وَثَوَابِ الشَّهَادَةِ، قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَكِنِّي شَهِدْتُ إِلَخْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَابْتِدَاءُ قِصَّةٍ أُخْرَى أهـ.
وَقَدْ بَيَّنَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ ارْتِبَاطَ كَلَامِ النُّعْمَانِ بِمَا قَبْلَهُ، وَبِسِيَاقِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ قِصَّةً مُسْتَأْنَفَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ أَنْكَرَ عَلَى النُّعْمَانِ تَأْخِيرَ الْقِتَالِ فَاعْتَذَرَ النُّعْمَانُ بِمَا قَالَهُ، وَمَا أَوَّلَ بِهِ قَوْلَهُ: فَلَمْ يُنَدِّمْكَ إِلَخْ فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَلَمْ يُنَدِّمْكَ أَيْ عَلَى التَّأَنِّي وَالصَّبْرِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُحْزِنْكَ شَرْحُهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ مِنَ الْحُزْنِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِغَيْرِ نُونٍ وَهُوَ أَوْجَهُ لِوِفَاقِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى وَلَفْظُ مُبَارَكٍ مُلَخَّصًا أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ إِمَّا أَنْ تَعْبُرُوا إِلَيْنَا النَّهَرَ أَوْ نَعْبُرَ إِلَيْكُمْ، قَالَ النُّعْمَانُ اعْبُرُوا إِلَيْهِمْ، قَالَ فَتَلَاقَوْا وَقَدْ قَرَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَلْقَوْا حَسَكَ الْحَدِيدِ خَلْفَهُمْ لِئَلَّا يَفِرُّوا، قَالَ: فَرَأَى الْمُغِيرَةُ كَثْرَتَهُمْ فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فَشَلًا أَنَّ عَدُوَّنَا يُتْرَكُونَ يَتَأَهَّبُونَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَقَدْ أَعْجَلْتُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَصَافَفْنَاهُمْ، فَرَشَقُونَا حَتَّى أَسْرَعُوا فِينَا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ، لِلنُّعْمَانِ: إِنَّهُ قَدْ أَسْرَعَ فِي النَّاسِ فَلَوْ حَمَلْتَ، فَقَالَ النُّعْمَانُ: إِنَّكَ لَذُو مَنَاقِبَ، وَقَدْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِثْلَهَا وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ قَدْ كَانَ اللَّهُ أَشْهَدَكَ أَمْثَالَهَا، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُنَاجِزَهُمْ إِلَّا شَيْءٌ شَهِدْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَهُبَّ الْأَرْوَاحُ) جَمْعُ رِيحٍ وَأَصْلُهُ الْوَاوُ، لَكِنْ لَمَّا انْكَسَرَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ انْقَلَبَتْ يَاءً وَالْجَمْعُ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إِلَى أُصُولِهَا، وَقَدْ حَكَى ابْنُ جِنِّيٍّ جَمْعَ رِيحٍ عَلَى أَرْيَاحٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْضُرُ الصَّلَوَاتُ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: وَتَزُولُ الشَّمْسُ، وَهُوَ بِالْمَعْنَى ; وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute