وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ قَالَ قال النبي ﷺ: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ".
٣٢٢٣ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قال النبي ﷺ: "الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ".
قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ) جَمْعُ مَلَكٍ بِفَتْحِ اللَّامِ، فَقِيلَ: مُخَفَّفٌ مِنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُلُوكَةِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورِ، وَأَصْلُهُ لَاكَ، وَقِيلَ أَصْلُهُ الْمَلْكُ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَهُوَ الْأَخْذُ بِقُوَّةٍ وَحِينَئِذٍ لَا مَدْخَلَ لِلْمِيمِ فِيهِ، وَأَصْلُ وَزْنِهِ مَفْعَلٌ فَتُرِكَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَظَهَرَتْ فِي الْجَمْعِ وَزِيدَتِ الْهَاءُ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ وَإِمَّا لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ، وَجُمِعَ عَلَى الْقَلْبِ وَإِلَّا لَقِيلَ مَالَكَهْ، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمِيمُ فِي الْمَلَكِ أَصْلِيَّةٌ وَزْنُهُ فَعَلٌ كَأَسَدٍ هُوَ مِنَ الْمَلْكِ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِقُوَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَوَزْنُ مَلَائِكَةٍ فَعَائِلَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا فِي جَمْعِهِ أَمْلَاكٌ، وَأَفْعَالٌ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِمَا فِي أَوَّلِهِ مِيمٌ زَائِدَةٌ، قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: الْمَلَائِكَةُ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ أُعْطِيَتْ قُدْرَةً عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَسْكَنُهَا السَّمَاوَاتُ، وَأَبْطَلَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا الْكَوَاكِبُ أَوْ إِنَّهَا الْأَنْفُسُ الْخَيِّرَةُ الَّتِي فَارَقَتْ أَجْسَادَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا يُوجَدُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ شَيْءٌ مِنْهَا.
وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ وَكَثْرَتِهِمْ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ الْحَدِيثَ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ الْحَدِيثَ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلَا شِبْرٍ وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
وَذَكَرَ فِي رَبِيعِ الْأَبْرَارِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ لَيْسُوا ذُكُورًا وَلَا إِنَاثًا وَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَتَنَاكَحُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ. قُلْتُ: وَفِي قِصَّةِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنَّهَا شَجَرَةُ الْخُلْدِ الَّتِي تَأْكُلُ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وَفِي هَذَا وَمَا وَرَدَ مِنَ الْقُرْآنِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ الْمَلَائِكَةِ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لَا لِكَوْنِهِمْ أَفْضَلَ عِنْدَهُ بَلْ لِتَقَدُّمِهِمْ فِي الْخَلْقِ وَلِسَبْقِ ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾، ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾، ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي صِفَةِ الْحَجِّ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ ابْدَأْ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، وَلِأَنَّهُمْ وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الرُّسُلِ فِي تَبْلِيغِ الْوَحْيِ وَالشَّرَائِعِ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ فِيهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَسْأَلَةَ تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ أَدِلَّةِ كَثْرَتِهِمْ مَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: أَنَّ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute