يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَنَسٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَخْ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ، وَسَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ هُنَاكَ مَعَ شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ الْمَلَائِكَةَ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ سَاجِدٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ حَدِيثًا، وَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَعْنِي كَثْرَةَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ غَالِبًا يَفْصِلُ الْأَحَادِيثَ بِالتَّرَاجِمِ وَلَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ هُنَا. وَقَدِ اشْتَمَلَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ مَنِ اشْتُهِرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَجِبْرِيلَ، وَوَقَعَ ذِكْرُهُ فِي أَكْثَرِ أَحَادِيثِهِ، وَمِيكَائِيلَ وَهُوَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَحْدَهُ، وَالْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِتَصْوِيرِ ابْنِ آدَمَ، وَمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ، وَمَلَكِ الْجِبَالِ، وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ، وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي السَّحَابِ، وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَخَزَنَةِ الْجَنَّةِ، وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ.
وَوَقَعَ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي كَوْنِهِمْ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، وَأَنَّهُمْ يُؤَمِّنُونَ عَلَى قِرَاءَةِ الْمُصَلِّي وَيَقُولُونَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَيَدْعُونَ لِمُنْتَظِرِ الصَّلَاةِ، وَيَلْعَنُونَ مَنْ هَجَرَتْ فِرَاشَ زَوْجِهَا، وَمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَاصًّا مِنْهُمْ، فَأَمَّا جِبْرِيلُ فَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ رُوحُ الْقُدُسِ وَبِأَنَّهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ وَبِأَنَّهُ رَسُولٌ كَرِيمٌ ذُو قُوَّةٍ مَكِينٌ مُطَاعٌ أَمِينٌ، وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ مَعْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ سُرْيَانِيًّا لَكِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ مُوَافَقَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِلُغَةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ هُوَ إِصْلَاحُ مَا وَهِيَ، وَجِبْرِيلُ مُوَكَّلٌ بِالْوَحْيِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِصْلَاحُ الْعَامُّ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ عَرَبِيٌّ وَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ جَبَرُوتِ اللَّهِ، وَاسْتُبْعِدَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ صَرْفِهِ وَفِي اللَّفْظَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لُغَةً أَوَّلُهَا جِبْرِيلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ ثُمَّ لَامٍ خَفِيفَةٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو، وَابْنِ عَامِرٍ، وَنَافِعٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْ عَاصِمٍ، ثَانِيهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ قَرَأَهَا ابْنُ كَثِيرٍ، ثَالِثُهَا مِثْلُهُ لَكِنْ بِفَتْحِ الرَّاءِ ثُمَّ هَمْزَةٌ قَرَأَهَا حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، رَابِعُهَا مِثْلُهُ بِحَذْفِ مَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ قَرَأَهَا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَرُوِيَتْ عَنْ عَاصِمٍ. خَامِسُهَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَرُوِيَتْ عَنْ عَاصِمٍ. سَادِسُهَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ ثُمَّ هَمْزَةٌ ثُمَّ يَاءٌ ثُمَّ لَامٌ خَفِيفَةٌ قَرَأَهَا عِكْرِمَةُ. سَابِعُهَا مِثْلُهَا بِغَيْرِ هَمْزٍ قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ.
ثَامِنُهَا مِثْلُ السَّادِسَةِ إِلَّا أَنَّهَا بِيَاءٍ قَبْلَ الْهَمْزِ. تَاسِعُهَا جَبْرَالُ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَأَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَلَامٍ خَفِيفَةٍ. عَاشِرُهَا مِثْلُهُ لَكِنْ بِيَاءٍ بَعْدَ الْأَلِفِ قَرَأَهَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ. حَادِي عَشْرَهَا جَرِينُ مِثْلُ كَثِيرٍ لَكِنْ بِنُونٍ. ثَانِي عَشْرَهَا مِثْلُهُ لَكِنْ بِكَسْرِ الْجِيمِ. ثَالِثُ عَشْرَهَا مِثْلُ حَمْزَةَ لَكِنْ بِنُونٍ بَدَلَ اللَّامِ لَخَّصْتُهُ مِنْ إِعْرَابِ السَّمِينِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: جِبْرِيلُ مِنَ الْكُرُوبِيِّينَ وَهُمْ سَادَةُ الْمَلَائِكَةِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِجِبْرِيلَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ، قَالَ: وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، قَالَ: وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ مَلَكُ الْمَوْتِ؟ قَالَ: عَلَى قَبْضِ الْأَرْوَاحِ الْحَدِيثَ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَدْ ضُعِّفَ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَلَمْ يُتْرَكْ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا وَزَيْدٍ أَيْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، الْحَدِيثَ. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كَيْفِيَّةِ خَلْقِ آدَمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَلْقَ جِبْرِيلَ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ، وَهُوَ مُقْتَضَى عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ وَفِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ مَوْتِ مَلَكِ الْمَوْتِ بَعْدَ فَنَاءِ الْعَالَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِجِبْرِيلَ: مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا؟ قَالَ: مَا ضَحِكَ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute