للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَنَا فِي ظِلِّكَ أَيْ نَاحِيَتِكَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْمُحْوِجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الظِّلَّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الدُّنْيَا مَا يَقِي مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَأَذَاهَا وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَمْسٌ وَلَا أَذًى، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الظِّلُّ الْمَمْدُودُ: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مِنْ كُلِّ نَوَاحِيهَا فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمُ اللَّهْوَ فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا فَيُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا.

الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ تَقَدَّمَ فِي السَّادِسِ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي: ابْنَ النَّبِيِّ Object فَقَالَ النَّبِيُّ Object: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجَنَائِزِ.

الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي تَفَاضُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ، وَهَذَا مِنْ صَحِيحِ أَحَادِيثِ مَالِكٍ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ، وَوَهِمَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بَدَلَ صَفْوَانَ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ، وَكَأَنَّهُ دَخَلَ لَهُ إِسْنَادُ حَدِيثٍ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ، فَإِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدٍ بَدَلَ صَفْوَانَ، فَهَذَا السَّنَدُ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ وَفِي التَّوْحِيدِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَنَقَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ عَنِ الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَسْتُ أَدْفَعُ حَدِيثَ فُلَيْحٍ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ، وَقَالَ: إِنَّهُ وَهِمَ فِيهِ أَيْضًا، قُلْتُ: وَلَكِنَّهُ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي الرِّقَاقِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُخْتَصَرٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.

قَوْلُهُ: (يَتَرَاءَوْنَ) (١) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يَرَوْنَ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ تَتَفَاوَتُ مَنَازِلُهُمْ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْفَضْلِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَالنُّجُومِ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ.

قَوْلُهُ: (الدُّرِّيُّ) هُوَ النَّجْمُ الشَّدِيدُ الْإِضَاءَةِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ النَّجْمُ الْعَظِيمُ الْمِقْدَارِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ ثَقِيلَةٌ وَقَدْ تُسَكَّنُ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَمَدٌّ وَقَدْ يُكْسَرُ أَوَّلُهُ عَلَى الْحَالَيْنِ فَتِلْكَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ، ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ، فَبِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الدُّرِّ لِبَيَاضِهِ وَضِيَائِهِ، وَبِالْهَمْزِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ دَرَأَ أَيْ دَفَعَ لِانْدِفَاعِهِ عِنْدَ طُلُوعِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنِ الْكِسَائِيِّ تَثْلِيثَ الدَّالِ قَالَ: فَبِالضَّمِّ نِسْبَةً إِلَى الدُّرِّ وَبِالْكَسْرِ الْجَارِي وَبِالْفَتْحِ اللَّامِعُ.

قَوْلُهُ: (الْغَابِرُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ الْغَايِرُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: كَأَنَّهُ الدَّاخِلُ فِي الْغُرُوبِ. وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الْغَارِبُ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ، قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ الَّذِي يَبْعُدُ لِلْغُرُوبِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْغَائِبُ، وَلَكِنْ لَا يَحْسُنُ هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ بُعْدَهُ عَنِ الْأَرْضِ كَبُعْدِ غُرَفِ الْجَنَّةِ عَنْ رَبَضِهَا فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَمَعْنَى الْغَابِرِ هُنَا الذَّاهِبُ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِالْأُفُقِ السَّمَاءُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنَ الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ الْأُولَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَوْ هِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ، وَمِنْ الثَّانِيَةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَرِدُ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ أَيْضًا، قَالَ: وَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ أَصْلِهَا وَلَيْسَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ: إِلَى الْمَشْرِقِ وَهُوَ أَوْضَحُ، وَوَقَعَ


(١) كذا في نسخ الشرح، وهي روايته التي شرح عليها، وأما رواية أبي ذر فهي: "إن أهل الجنة يتراءيون" بوزن يتفاعلون