فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ بَعِيدُ الْقَعْرِ خَبِيثُ الطَّعْمِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُسْجَرُونَ: تُوقَدُ لَهُمُ النَّارُ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ بِهِمْ وَهُوَ أَوْضَحُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَنُحَاسٌ الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ﴾ قَالَ: قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ حَمْرَاءَ وَنُحَاسٌ، قَالَ: يُذَابُ الصُّفْرُ فَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ.
قَوْلُهُ: (يُقَالُ ذُوقُوا بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ) لَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالذَّوْقُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ ذَوْقُ الْفَمِ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الذَّوْقُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ﴾ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ أَنَّهُ فَسَّرَهُ هُنَا بِمَعْنَى التَّخَيُّلِ، وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا وَهُوَ دَقِيقٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ مَرْفُوعًا، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا: لَمْ يَنْزِلْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا﴾
قَوْلُهُ: (مَارِجٌ خَالِصٌ مِنَ النَّارِ) رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ قَالَ: مِنْ خَالِصِ النَّارِ، وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خُلِقَتِ الْجِنُّ مِنْ مَارِجٍ، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَفِهَا إِذَا الْتَهَبَتْ، وَسَيَأْتِي قَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَارِجُ نَارٌ دُونَ الْحِجَابِ، وَيُرْوَى خَلَقَ السَّمَاءَ مِنْهَا، وَمِنْهَا هَذِهِ الصَّوَاعِقُ.
قَوْلُهُ: (مَرَجَ الْأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلَّاهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أَمْرٍ مُلْتَبِسٍ (١) وَمَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ اخْتَلَطَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَمْرٍ مُنْتَشِرٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ أَيْ: مُخْتَلِطٍ، يُقَالُ: مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ أَيِ اخْتَلَطَ وَأُهْمِلَ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ قَالَ: مُخْتَلِطٍ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ قَالَ: مُلْتَبِسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الْحَقَّ مَرَجَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ دِينُهُ.
قَوْلُهُ: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا﴾ هُوَ كَقَوْلِكَ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ خَلَّيْتَ عَنْهَا وَتَرَكْتَهَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلُهُ: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ قَالَ: أَرْسَلَهُمَا ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ بَعْدُ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْبَحْرَيْنِ هُنَا بَحْرُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَلْتَقِيَانِ كُلَّ عَامٍ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ أَبْزَى مِثْلَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ قَالَ: هُمَا بَحْرَا فَارِسَ وَالرُّومِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ﷾ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ مِنْ أَصْدَافِ بَحْرِ الْأَرْضِ عَنْ قَطْرِ السَّمَاءِ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا دَفْعٌ لِمَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْبَحْرُ الْحُلْوُ وَالْبَحْرُ الْمِلْحُ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: مِنْهُمَا مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ، الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.
الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ قِصَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَذَلِكَ.
الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَذَلِكَ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ جَهَنَّمَ مَوْجُودَةٌ الْآنَ.
الرَّابِعُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.
الْخَامِسُ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي ذَلِكَ.
السَّادِسُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ.
السَّابِعُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ
(١) في هامش طبعة بولاق: كذا في جميع نسخ الشرح، وهذه الجملة مع واو مرج ليست في نسخ المتن التي بأيدينا، فهي نسخته. اهـ.