للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خِلَافَةِ عُثْمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ.

قَوْلُهُ: (إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ) أَيِ اللَّاتِي يُوجَدْنَ فِي الْبُيُوتِ، وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ فِي جَمِيعِ الْبُيُوتِ، وَعَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصُهُ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِبُيُوتِ الْمُدُنِ دُونَ غَيْرِهَا، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَتُقْتَلُ فِي الْبَرَارِي وَالصَّحَارِي مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهَا الْحَيَّةُ الَّتِي تَكُونُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ وَلَا تَلْتَوِي فِي مِشْيَتِهَا.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْعَوَامِرُ) هُوَ كَلَامُ الزُّهْرِيِّ أُدْرِجَ فِي الْخَبَرِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهِيَ الْعَوَامِرُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: عُمَّارُ الْبُيُوتِ سُكَّانُهَا مِنَ الْجِنِّ، وَتَسْمِيَتُهُنَّ عَوَامِرُ لِطُولِ لُبْثِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُمْرِ وَهُوَ طُولُ الْبَقَاءِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالثَّلَاثِ: فَقِيلَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ: أَنْ يُقَالَ لَهُنَّ أَنْتُنَّ فِي ضِيقٍ وَحَرَجٍ إِنْ لَبِثْتِ عِنْدَنَا، أَوْ ظَهَرْتِ لَنَا، أَوْ عُدْتِ إِلَيْنَا.

قَوْلُهُ: (وَقَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: فَرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ) يُرِيدُ أَنَّ مَعْمَرًا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَلَى الشَّكِّ فِي اسْمِ الَّذِي لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا، وَسَاقَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.

قَوْلُهُ: (وَتَابَعَهُ يُونُسُ) أَيِ ابْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْ سُفْيَانَ، وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ، أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ تَابَعُوا مَعْمَرًا عَلَى رِوَايَتِهِ بِالشَّكِّ الْمَذْكُورِ. فَأَمَّا رِوَايَةُ يُونُسَ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا وَسَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ، وَالْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْهُ، وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ كُلَّ حَيَّةٍ وَجَدَهَا، فَأَبْصَرَهُ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَمَّا رِوَايَةُ إِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ فَرُوِّينَاهَا فِي نُسْخَتِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحِمْصِيُّ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَتِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَكُنْتُ لَا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا قَتَلْتُهَا وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَتَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّيَّتِهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ صَالِحٌ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَابْنُ مُجَمِّعٍ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ رَوَوُا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَجَمَعُوا فِيهِ بَيْنَ أَبِي لُبَابَةَ، وَزَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ صَالِحٍ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا وَسَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَرَوَيْنَاهَا فِي نُسْخَتِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ مَوْصُولَةً، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مُجَمِّعٍ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ - بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ - الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ فَوَصَلَهَا الْبَغَوِيُّ، وَابْنُ السَّكَنِ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: لَمْ أَجِدْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ أَبِي لُبَابَةَ، وَزَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، إِلَّا ابْنَ مُجَمِّعٍ هَذَا، وَجَعْفَرَ بْنَ بُرْقَانَ، وَفِي رِوَايَتِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ مَقَالٌ. انْتَهَى. وَغَفَلَ عَمَّا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ عِنْدَهُ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ عَنْهُ؛ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَذْهَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ تَقَعْ لَهُ مَوْصُولَةً مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَصَالِحٍ، فَصَارَ مَنْ رَوَاهُ بِالْجَمْعِ أَرْبَعَةً، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُقَارِبُ الْخَمْسَةَ الَّذِينَ رَوَوْهُ بِالشَّكِّ إِلَّا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الَّذِي رَأَى ابْنَ عُمَرَ هُوَ أَبُو لُبَابَةَ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَهُوَ يُرَجِّحُ مَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ تَقْدِيمِهِ لِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ الْمُقْتَصِرَةِ عَلَى ذِكْرِ أَبِي لُبَابَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَيْسَ لِزَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ - أَخِي عُمَرَ - رِوَايَةٌ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْجِنَّ لَا تَتَمَثَّلُ بِذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرِ، فَلِذَلِكَ أَذِنَ فِي قَتْلِهِمَا. وَسَيَأْتِي التَّعَقُّبُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَلِيلٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ إِلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْتَرَ أَوْ ذَا طُفْيَتَيْنِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ إِنْذَارٍ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ الْإِذْنُ فِي قَتْلِ غَيْرِهِمَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَفِيهِ: فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ