قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا بَابُ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَغَفَ الْجِبَالِ وَسَقَطَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا، وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَلِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ لَيْسَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَنَمِ إِلَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ.
الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَوْلُهُ: (رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ كُفْرِ الْمَجُوسِ، لِأَنَّ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا فِي غَايَةِ الْقَسْوَةِ وَالتَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ حَتَّى مَزَّقَ مَلِكُهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، وَاسْتَمَرَّتِ الْفِتَنُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي الْفِتَنِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَخْرُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَعْرُوفٌ، وَمِنْهُ الْإِعْجَابُ بِالنَّفْسِ، (وَالْخُيَلَاءُ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمَدِّ: الْكِبْرُ وَاحْتِقَارُ الْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: (الْفَدَّادِينَ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ خَفَّفَهَا وَقَالَ: إِنَّهُ جَمْعُ فَدَّانٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَقَرُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْفَدَّانُ آلَةُ الْحَرْثِ وَالسِّكَّةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْفَدَّادُونَ جَمْعُ فَدَّانٍ، وَهُوَ مَنْ يَعْلُو صَوْتُهُ فِي إِبِلِهِ وَخَيْلِهِ وَحَرْثِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْفَدِيدُ هُوَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ، وَحَكَى الْأَخْفَشُ وَوَهَّاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَدَّادِينَ مَنْ يَسْكُنُ الْفَدَافِدَ جَمْعُ فَدْفَدٍ وَهِيَ الْبَرَارِي وَالصَّحَارِي، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ الْفَدَّادِينَ هُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الْمِائَتَيْنِ إِلَى الْأَلْفِ، وَعَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ مِنَ التَّخْفِيفِ فَالْمُرَادُ أَصْحَابُ الْفَدَادِينَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ لَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْفَدَّادُونَ هُمُ الرُّعَاةُ وَالْجَمَّالُونَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا ذَمَّ هَؤُلَاءِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُعَالَجَةِ مَا هُمْ فِيهِ عَنْ أُمُورِ دِينِهِمْ وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَسَاوَةِ الْقَلْبِ.
قَوْلُهُ: (أَهْلُ الْوَبَرِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنْ أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَهْلِ الْمَدَرِ، وَعَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِأَهْلِ الْوَبَرِ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ ذِكْرَ الْوَبَرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخَيْلِ وَقَالَ: إِنَّ الْخَيْلَ لَا وَبَرَ لَهَا، وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا بَيَّنْتُهُ.
وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ أَيِ في الْفَدَّادِينَ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَالسَّكِينَةُ) تُطْلَقُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالتَّوَاضُعِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَا نَظِيرَ لَهَا أَيْ فِي وَزْنِهَا إِلَّا قَوْلَهُمْ عَلَى فُلَانٍ ضَرِيبَةٌ أَيْ خَرَاجٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا خَصَّ أَهْلَ الْغَنَمِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ غَالِبًا دُونَ أَهْلِ الْإِبِلِ فِي التَّوَسُّعِ وَالْكَثْرَةِ وَهُمَا مِنْ سَبَبِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِأَهْلِ الْغَنَمِ أَهْلَ الْيَمَنِ لِأَنَّ غَالِبَ مَوَاشِيهِمُ الْغَنَمُ، بِخِلَافِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ إِبِلٍ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: اتَّخِذِي الْغَنَمَ فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً.
الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هُوَ الْقَطَّانُ، وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَيْسُ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ.
قَوْلُهُ: (أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ: الْإِيمَانُ) فِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: يَمَانٍ الْأَنْصَارُ، لِكَوْنِ أَصْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَنَّ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُهَا حِينَئِذٍ لَا الَّذِينَ كَانَ أَصْلُهُمْ مِنْهَا، وَسَبَبُ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ إِسْرَاعُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَقَبُولُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبُولُهُمُ الْبُشْرَى حِينَ لَمْ تَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي أَوَّلِ الْمَنَاقِبِ، وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ بِقَوْلِهِ: الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَقَوْلُهُ: قَرْنَا الشَّيْطَانِ أَيْ جَانِبَا رَأْسِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ضُرِبَ الْمَثَلُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ فِيمَا لَا يُحْمَدُ مِنَ الْأُمُورِ.
وَقَوْلُهُ: أَرَقُّ أَفْئِدَةً أَيْ أَنَّ غِشَاءَ قَلْبِ أَحَدِهِمْ رَقِيقٌ، وَإِذَا رَقَّ الْغِشَاءُ أَسْرَعَ نُفُوذُ الشَّيْءِ إِلَى مَا وَرَاءَهُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ جَعْفَرَ بْنِ رَبِيعَةَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ