الْمُخَاطَبِينَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ ذِرَاعَ كُلِّ أَحَدٍ بِقَدْرِ رُبُعِهِ فَلَوْ كَانَ بِالذِّرَاعِ الْمَعْهُودِ لَكَانَتْ يَدُهُ قَصِيرَةً فِي جَنْبِ طُولِ جَسَدِهِ
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ) سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الِاسْتِئْذَانِ.
قَوْلُهُ: (فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ) أَيْ عَلَى صِفَتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ النَّقْصِ مِنْ سَوَادٍ وَغَيْرِهِ تَنْتَفِي عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ هُنَا: وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَإِثْبَاتُ الْوَاوِ فِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ طُولُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ طُولُهُ إِلَخْ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: كَانَ طُولُ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا، وَأَمَّا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا: أَنَّ آدَمَ لَمَّا أُهْبِطَ كَانَتْ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ، فَحَطَّهُ اللَّهُ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ مُفْرِطَ الطُّولِ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ خُلِقَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ عَلَى طُولِ سِتِّينَ ذِرَاعًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلًا طُوَالًا كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سُحُوقٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ) أَيْ أَنَّ كُلَّ قَرْنٍ يَكُونُ نَشَأْتُهُ فِي الطُّولِ أَقْصَرَ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَانْتَهَى تَنَاقُصُ الطُّولِ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُهُ: فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ؛ أَيْ كَمَا يَزِيدُ الشَّخْصُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ السَّاعَتَيْنِ وَلَا الْيَوْمَيْنِ حَتَّى إِذَا كَثُرَتِ الْأَيَّامُ تَبَيَّنَ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي النَّقْصِ، وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا يُوجَدُ الْآنَ مِنْ آثَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَدِيَارِ ثَمُودَ فَإِنَّ مَسَاكِنَهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَامَاتِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَةَ الطُّولِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيبُ السَّابِقُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَهْدَهُمْ قَدِيمٌ، وَأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آدَمَ دُونَ الزَّمَانِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي إِلَى الْآنَ مَا يُزِيلُ هَذَا الْإِشْكَالِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَقَوْلُهُ: الْأَلَنْجُوجُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ بِجِيمَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَالْوَاوُ سَاكِنَةٌ: هُوَ الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ، وَلَفْظُ الْأَلَنْجُوجِ هُنَا تَفْسِيرُ الْأَلُوَّةِ، وَالْعُودُ تَفْسِيرُ التَّفْسِيرِ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِ خَلْقِ لَا بِضَمِّهِ، وَقَوْلُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ أَيْ فِي الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي سُؤَالِهَا عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا احْتَلَمَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَسَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ سَبَبِ الشَّبَهِ، وَقَدْ عَلَّلَهُ هُنَا بِالسَّبْقِ، وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِالْعُلُوِّ، وَسَأَذْكُرُ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَوْلُهُ: (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ) لَمْ يَسْبِقْ لِلْمَتْنِ الْمَذْكُورِ طَرِيقٌ يَعُودُ عَلَيْهَا هَذَا الضَّمِيرُ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ شَيْخُهُ هُوَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي سَاقَهُ، فَكَأَنَّهُ كَتَبَ مِنْ حِفْظِهِ وَتَرَدَّدَ فِي بَعْضِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: نَحْوَهُ يَعْنِي وَلَمْ أَرَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَسَيَأْتِي عِنْدَهُ فِي ذِكْرِ مُوسَى ﵇ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي آخِرِهِ الدَّهْرَ.
قَوْلُهُ: (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ) يَخْنَزُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا بَعْدَهَا زَايٌ أَيْ يُنْتِنُ، وَالْخَنَزُ التَّغَيُّرُ وَالنَّتْنُ، قِيلَ: أَصْلُهُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ادَّخَرُوا لَحْمَ السَّلْوَى وَكَانُوا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ فَعُوقِبُوا بِذَلِكَ، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ لَوْلَا أن بني إِسْرَائِيلَ سَنُّوا ادِّخَارَ اللَّحْمِ حَتَّى أَنْتَنَ لَمَا ادُّخِرَ فَلَمْ يُنْتِنْ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ