للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا تَعْلَمُونَ﴾ وَقَوْلُهُ: فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: ﴿مَا لا تَعْلَمُونَ﴾

قَوْلُهُ: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ نُعَظِّمُكَ) هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ، نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ﴾ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَاتِ أَنَّ هَذَا التَّلَقِّيَ كَانَ قَبْلَ الْهُبُوطِ؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: قُلْنَا اهْبِطُوا كَانَ سَابِقًا لِلتَّلَقِّي، وَلَيْسَ فِي الْآيَاتِ صِيغَةُ تَرْتِيبٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ اسْتَزَلَّهُمَا، وَيَتَسَنَّهْ: يَتَغَيَّرُ. ﴿آسِنٍ﴾ الْمَسْنُونُ الْمُتَغَيِّرُ. ﴿حَمَإٍ﴾ جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ) كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ: وَقَالَ غَيْرُهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ بِحَذْفِ قَالَ فَكَأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَشْكَلُ. وَقَوْلُهُ: فَأَزَلَّهُمَا أَيْ دَعَاهُمَا إِلَى الزَّلَّةِ، وَإِيرَادُ قَوْلِهِ ﴿يَتَسَنَّهْ﴾ يَتَغَيَّرُ فِي أَثْنَاءِ قِصَّةِ آدَمَ ذُكِرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَسْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا - بَعْدَ أَنْ قَالَ: إِنَّ تَفْسِيرَ ﴿يَتَسَنَّهْ﴾ وَ ﴿آسِنٍ﴾ -: لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِقَوْلِهِ ﴿مَسْنُونٍ﴾ وَفِي هَذَا تَكْثِيرٌ لِحَجْمِ الْكِتَابِ لَا لِتَكْثِيرِ الْفَوَائِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَقْصُودِهِ. قُلْتُ: وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الشَّارِحِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى الْأَصْلِ بِمِثْلِ هَذَا، وَلَا ارْتِيَابَ فِي أَنَّ إِيرَادَ شَرْحِ غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَوَائِدُ، وَادِّعَاؤُهُ نَفْيَ تكثير الْفَائِدَةِ مَرْدُودٌ، وَهَذَا الْكِتَابُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَوْضُوعِهِ إِيرَادَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ فَهِمُوا مِنْ إِيرَادِهِ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ جَامِعًا لِلرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الدِّرَايَةِ شَرْحُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ.

وَجَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا وَرَدَتْ فِيهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ وَقَعَتْ أَوْ أَصْلُهَا أَوْ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَشْرَحَ اللَّفْظَةَ الْقُرْآنِيَّةَ، فَيُفِيدُ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرَ الْحَدِيثِ مَعًا، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَحَادِيثَ تُوَافِقُ شَرْطَهُ سَدَّ مَكَانَهَا بِبَيَانِ تَفْسِيرِ الْغَرِيبِ الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ، فَكَيْفَ يَسُوغُ نَفْيُ الْفَائِدَةِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (يَخْصِفَانِ أَخَذَ الْخِصَافَ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَخْصِفَانِ﴾ قَالَ: يُرَقِّعَانِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ خَصَفْتُ النَّعْلَ أَيْ خَرَزْتُهَا.

قَوْلُهُ: (سَوْآتِهِمَا كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ، وَهُوَ هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ أَيْ إِلَى وَقْتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ: (قَبِيلُهُ جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ) هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَقَبِيلُهُ قَالَ: الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا، أَفْرَدَ الْأَخِيرَ مِنْهَا بِبَابٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، كَذَا في وَقَعَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْ مَعْمَرٍ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَأْتِي فِي أَوَّلِ الِاسْتِئْذَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الضَّمِيرَ لِآدَمَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَدَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا، لَمْ يَنْتَقِلْ فِي النَّشْأَةِ أَحْوَالًا، وَلَا تَرَدَّدَ فِي الْأَرْحَامِ أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ، بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ رَجُلًا كَامِلًا سَوِيًّا مِنْ أَوَّلِ مَا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَعَادَ الضَّمِيرُ أَيْضًا عَلَى آدَمَ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى صُورَتِهِ: أَيْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي خَلْقِهِ أَحَدٌ، إِبْطَالًا لِقَوْلِ أَهْلِ الطَّبَائِعِ. وَخُصَّ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ: (سِتُّونَ ذِرَاعًا) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَدْرِ الذِّرَاعِ الْمُتَعَارَفِ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ