للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مِنَ الْكُفَّارِ بِلَا شَكٍّ، وَسَأَذْكُرُ مَا جَاءَ فِي أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا أَمْ لَا.

ثَالِثُهَا: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَمَا سَنَذْكُرُ بَعْدُ، وَأَمَّا الْإِسْكَنْدَرُ فَهُوَ مِنَ الْيُونَانِ، وَالْعَرَبُ كُلُّهَا مِنْ وَلَدِ سَامِ بْنِ نُوحٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ هَلْ هُمْ كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ أَوْ لَا؟ وَالْيُونَانُ مِنْ وَلَدِ يَافِثِ بْنِ نُوحٍ عَلَى الرَّاجِحِ فَافْتَرَقَا. وَشُبْهَةُ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعٍ الْجِيزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: كَانَ مِنَ الرُّومِ فَأُعْطِيَ مُلْكًا فَصَارَ إِلَى مِصْرَ وَبَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَعَرَجَ بِهِ فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ، قَالَ: أَرَى مَدِينَةً وَاحِدَةً، قَالَ: تِلْكَ الْأَرْضُ كُلُّهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُرِيَكَ وَقَدْ جَعَلَ لَكَ فِي الْأَرْضِ سُلْطَانًا، فَسِرْ فِيهَا وَعَلِّمِ الْجَاهِلَ وَثَبِّتِ الْعَالِمَ.

وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَرَفَعَ النِّزَاعَ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقِيلَ: كَانَ نَبِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ كَانَ نَبِيًّا أَوْ لَا. وَذَكَرَ وَهْبٌ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أُمَمٍ: أُمَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ، وَأُمَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ، وَهِيَ: نَاسِكُ وَمَنْسَكُ وَتَأْوِيلُ وَهَاوِيلُ، فَذَكَرَ قِصَّةً طَوِيلَةً حَكَاهَا الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ النَّسَبِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ سَمِعْتُ ابْنَ الْكَوَّا يَقُولُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَخْبِرْنِي مَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلًا أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ ضَرْبَةً مَاتَ مِنْهَا، ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ ضَرْبَةً مَاتَ مِنْهَا، ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ، فَسُمِّيَ ذو الْقَرْنَيْنِ. وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ تُوبِعَ عَلَى أَبِي الطُّفَيْلِ، أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَنَاصَحَ اللَّهَ فَنَاصَحَهُ. وَفِيهِ: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا.

وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، سَمِعْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ لِلْحَافِظِ الضِّيَاءِ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ولَمْ يَكُنْ نَبِيًّا مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ: بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْبَعْثُ عَلَى غَيْرِ رِسَالَةِ النُّبُوَّةِ. وَقِيلَ: كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: تُسَمِّيهِ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ؟ وَحَكَى الْجَاحِظُ فِي الْحَيَوَانِ أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: وَاسْمُ أَبِيهِ فَيْرَى، وَاسْمُ أُمِّهِ غَيْرَى، وَقِيلَ: كَانَ مِنَ الْمُلُوكِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَا يُومِئُ إِلَى ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى فِي الْكَلَامِ عَلَى أَخْبَارِ الْخَضِرِ.

وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَتَقَدَّمَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ بَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، أَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَسِيدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ بَلَغَ قَرْنَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقَرْنَ الشَّمْسِ مِنْ مَطْلَعِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُمَا وَقِيلَ: رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ أَخَذَ بِقَرْنَيِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: كَانَ لَهُ قَرْنَانِ حَقِيقَةً، وَهَذَا أَنْكَرَهُ عَلِيٌّ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ ضَفِيرَتَانِ تُوَارِيهُمَا ثِيَابُهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ غَدِيرَتَانِ طَوِيلَتَانِ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى كَانَ يَطَأُ عَلَيْهِمَا، وَتَسْمِيَةُ الضَّفِيرَةِ مِنَ الشَّعْرِ قَرْنًا مَعْرُوفٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّ عَطِيَّةَ وَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَمِنْهُ قَوْلُ جَمِيلٍ:

فَلَثَمْتُ فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا

وَقِيلَ: كَانَتْ صَفْحَتَا رَأْسِهِ مِنْ نُحَاسٍ، وَقِيلَ لِتَاجِهِ قَرْنَانِ، وَقِيلَ كَانَ فِي رَأْسِهِ شِبْهُ الْقَرْنَيْنِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ دَخَلَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ عَمَّرَ حَتَّى فَنِيَ فِي زَمَنِهِ قَرْنَانِ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ وَقَدْ بَلَغَهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ أُمُّهُ وَأَبُوهُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا قَاتَلَ قَاتَلَ بِيَدَيْهِ وَرِكَابَيْهِ جَمِيعًا،