وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أُعْطِيَ عِلْمَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَلَكَ فَارِسَ وَالرُّومِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ فِي كِتَابِ النَّسَبِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذُو الْقَرْنَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِضَعْفِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشَيْخِهِ، وَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: كَانَ بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِبْرَاهِيمَ أَرْبَعُونَ أَبًا أَوْ أَكْثَرَ، وَقِيلَ: اسْمُهُ الصَّعْبُ وَبِهِ جَزَمَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي التِّيجَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِ الْمُحَبَّرِ هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي الْقَيْسِ أَحَدُ مُلُوكِ الْحِيرَةِ، وَأُمُّهُ مَاءُ السَّمَاءِ مَاوِيَّةُ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ جُشَمَ، قَالَ وَقِيلَ: اسْمُهُ الصَّعْبُ بْنُ قَرْنِ بْنِ هُمَّالٍ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ إِسْكَنْدَرُوسُ بْنُ فِيلْبُوسَ وَقِيلَ فِيلِبْسُ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمَسْعُودِيُّ، وَقِيلَ: اسْمُهُ الْهَمَيْسَعُ ذَكَرَهُ الْهَمْدَانِيُّ فِي كُتُبِ النَّسَبِ قَالَ: وَكُنْيَتُهُ أَبُو الصَّعْبِ وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَقِيلَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَرِينِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْدِ، وَقِيلَ: بِإِسْقَاطِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنْهُ أَنَّ اسْمَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، مَرْزُبَانُ بْنُ مُرْدَيْهِ، بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَقِيلَ: بِزَايٍ فَقَدْ صُرِّحَ بِأَنَّهُ الْإِسْكَنْدَرُ، وَلِذَلِكَ اشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ
لِشُهْرَةِ السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ عِلْمِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ، وَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَحَاكَمَ إِلَيْهِ فِي بِئْرِ السَّبُعِ بِالشَّامِ فَقَضَى لِإِبْرَاهِيمَ وَالْآخَرُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَهْدِ عِيسَى. قُلْتُ: لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ مَا ذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْخَضِرِ حَيْثُ جَرَى ذِكْرُهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى قَرِيبًا أَنَّهُ كَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ قِصَّةُ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى، وَمُوسَى كَانَ قَبْلَ زَمَنِ عِيسَى قَطْعًا، وَتَأْتِي بَقِيَّةُ أَخْبَارِ الْخَضِرِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَهَذَا عَلَى طَرِيقة مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ الْإِسْكَنْدَرُ، وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ اسْمُهُ هَرْمَسُ، وَيُقَالُ هِرْدِيسُ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرُ تَبَعًا لِلسُّهَيْلِيِّ أَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُ أَفْرِيدُونُ، وَهُوَ الْمَلِكُ الْقَدِيمُ لِلْفُرْسِ الَّذِي قَتَلَ الضَّحَّاكَ الْجَبَّارَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ:
فَكَأَنَّهُ الضَّحَّاكُ فِي فَتَكَاتِهِ … بِالْعَالَمِينَ وَأَنْتَ أَفْرِيدُونُ
وَلِلضَّحَّاكِ قِصَصٌ طَوِيلَةٌ ذَكَرَهَا الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالَّذِي يُقَوِّي أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَثْرَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي أَشْعَارِهِمْ، قَالَ أَعْشَى بْنُ ثَعْلَبَةَ:
وَالصَّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَمْسَى ثَاوِيًا … بِالْحِنْوِ فِي جَدَثٍ هُنَاكَ مُقِيمُ
وَالْحِنْوُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ فِي نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ ضُبَيْعٍ:
وَالصَّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَمَّرَ مُلْكَهُ … أَلْفَيْنِ أَمْسَى بَعْدَ ذَاكَ رَمِيمًا
وَقَالَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ:
وَالصَّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَصْبَحَ ثَاوِيًا … بِاللَّحْدِ بَيْنَ مَلَاعِبِ الْأَرْيَاحِ
وَقَالَ تُبَّعُ الْحِمْيَرِيُّ:
قَدْ كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ قَبْلِيَ مُسْلِمًا … مَلِكًا تَدِينُ لَهُ الْمُلُوكُ وَتَحْشُدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute