للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُتَّصِلِ، وَلِهَذَا أَرْدَفَ قَوْلَهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَقَدْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُشْتَرَطٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ أَوْ أَنَّهُ أَسْنَدَ إِلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ السَّبَبَ. وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ﴾ أَيْ فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ: كَبِيرُهُمْ هَذَا، وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَقِلٌّ، ثُمَّ يَقُولُ: فَاسْأَلُوهُمْ إِلَى آخِرِهِ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ.

وَقَوْلُهُ: هَذِهِ أُخْتِي يُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا أُخْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا، قَالَ ابْنُ عُقَيْلٍ: دَلَالَةُ الْعَقْلِ تَصْرِفُ ظَاهِرَ إِطْلَاقِ الْكَذِبِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَقْلَ قَطَعَ بِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ لِيُعْلَمَ صِدْقُ مَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وَلَا ثِقَةَ مَعَ تَجْوِيزِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ مَعَ وُجُودِ الْكَذِبِ مِنْهُ، وإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ بِصُورَةِ الْكَذِبِ عِنْدَ السَّامِعِ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَلَمْ يَصْدُرْ ذَلِكَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي إِطْلَاقَ الْكَذِبِ عَلَى ذَلِكَ - إِلَّا فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِعُلُوِّ مَقَامِهِ، وَإِلَّا فَالْكَذِبُ الْمَحْضُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَقَامَاتِ يَجُوزُ، وَقَدْ يَجِبُ لِتَحَمُّلِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ دَفْعًا لِأَعْظَمِهِمَا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ إِيَّاهَا كَذَبَاتٍ فَلَا يُرِيدُ أَنَّهَا تُذَمُّ، فَإِنَّ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا مُخِلًّا لَكِنَّهُ قَدْ يَحْسُنُ فِي مَوَاضِعَ وَهَذَا مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ) خَصَّهُمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ قِصَّةَ سَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَيْضًا فِي ذَاتِ اللَّهِ لَكِنْ تَضَمَّنَتْ حَظًّا لِنَفْسِهِ وَنَفْعًا لَهُ بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا فِي ذَاتِ اللَّهِ مَحْضًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ الْمَذْكُورَةِ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: وَاللَّهِ إِنْ جَادَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ وَكَانَتْ النَّاسِ، وَاسْمُ الْجَبَّارِ الْمَذْكُورِ عَمْرُو بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ سَبَأ وَأنَّهُ كَانَ عَلَى مِصْرَ، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ فِي التِّيجَانِ وَقِيلَ: اسْمُهُ صَادُوقٌ وَحَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَكَانَ عَلَى الْأُرْدُنِ، وَقِيلَ: سِنَانُ بْنُ عُلْوَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُرَيْجِ (١) بْنِ عِمْلَاقَ بْنِ لَاوِدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَيُقَالُ أنَّهُ أَخُو الضَّحَّاكِ الَّذِي مَلَكَ الْأَقَالِيمَ.

قَوْلُهُ: (فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَذَا رَجُلٌ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي إِنَّ هُنَا رَجُلًا وَفِي كِتَابِ التِّيجَانِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ رَجُلٌ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَشْتَرِي مِنْهُ الْقَمْحَ فَنَمَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ لِلْمَلِكِ أنِّي رَأَيْتُهَا تَطْحَنُ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي إِعْطَاءِ الْمَلِكِ لَهَا هَاجَرَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَخْدُمَ نَفْسَهَا.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطَّوِيلِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ يُوسُفَ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، زَادَ أَبُو يَعْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ شَطْرَ الْحُسْنِ يَعْنِي سورَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ الْمَاضِيَةِ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي وَالِدِ سَارَةَ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ اسْمَهُ هَارَانُ فَقِيلَ: هُوَ مَلِكُ حَرَّانَ وَأنَّ إِبْرَاهِيمَ تَزَوَّجَهَا لَمَّا هَاجَرَ مِنْ بِلَادِ قَوْمِهِ إِلَى حَرَّانَ، وَقِيلَ: هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَالنَّقَّاشُ وَاسْتُبْعِدَ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ بِنْتُ عَمِّهِ، وَتَوَافَقَ الِاسْمَانِ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِ أَبِيهَا تَوْبَلَ.

قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ فَقَالَ: يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. . إِلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِذَلِكَ لِئَلَّا تُكَذِّبَهُ عِنْدَهُ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، وَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا دَخَلَ


(١) في نسخة "عويج" بالواو