وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَلَطَمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ: فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَطَمَ وَجْهَهُ وَقَالَ: أَتَقُولُ هَذَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟! وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الَّذِي ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَنْصَارِ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ﵁ مِنْ أَنْصَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَطْعًا، بَلْ هُوَ رَأْسُ مَنْ نَصَرَهُ وَمُقَدَّمُهُمْ وَسَابِقُهُمْ.
قَوْلُهُ: (فَأَخْبَرَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ - أَيِ الْيَهُودِيُّ - يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا فَمَا بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وَجْهِي؟ فَقَالَ: لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ - فَذَكَرَهُ - فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى رُؤيَ فِي وَجْهِهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ: ادْعُوهُ لِي، فَجَاءَ فَقَالَ: أَضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
قَوْلُهُ: (لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى) فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ: لَا تُفَضِّلُ ابَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ) فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأُصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، لَمْ يُبَيِّنْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مَحَلَّ الْإِفَاقَةِ مِنْ أَيِّ الصَّعْقَتَيْنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ: فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَوَّلُ مَنْ يُبْعَثُ، وَالْمُرَادُ بِالصَّعْقِ غَشْيٌ يَلْحَقُ مَنْ سَمِعَ صَوْتًا أَوْ رَأَى شَيْئًا يُفْزَعُ مِنْهُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْإِفَاقَةَ بَعْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفْسِيرِ الزُّمَرِ بِلَفْظِ: إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، كَذَا وَقَعَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ الْإِشْخَاصِ، وَوَقَعَ فِي غَيْرِهَا: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ، وَجَزَمَ الْمِزِّيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، وَأَنَّ كَوْنَهُ ﷺ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ مُوسَى، انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ النَّفْخَةَ الْأُولَى يَعْقُبُهَا الصَّعْقُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ أَحْيَائِهِمْ وَأَمْوَاتِهِمْ، وَهُوَ الْفَزَعُ كَمَا وَقَعَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ﴾ ثُمَّ يَعْقُبُ ذَلِكَ الْفَزَعُ لِلْمَوْتَى زِيَادَةً فِيمَا هُمْ فِيهِ وَلِلْأَحْيَاءِ مَوْتًا، ثُمَّ يُنْفَخُ الثَّانِيَةَ لِلْبَعْثِ فَيُفِيقُونَ أَجْمَعِينَ، فَمَنْ كَانَ مَقْبُورًا انْشَقَّتْ عَنْهُ الْأَرْضُ فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ، وَمَنْ لَيْسَ بِمَقْبُورٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُوسَى مِمَّنْ قُبِرَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، أَخْرَجَهُ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا قَرَّرْتُهُ. وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ جَمِيعِ الْخَلْقِ يُصْعَقُونَ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَى لَا إِحْسَاسَ لَهُمْ، فَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِينَ يُصْعَقُونَ هُمُ الْأَحْيَاءُ، وَأَمَّا الْمَوْتَى فَهُمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ أَيْ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصْعَقُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانُوا فِي صُورَةِ الْأَمْوَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِلشُّهَدَاءِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَوَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الشُّهَدَاءَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صَعْقَةَ فَزَعٍ بَعْدَ الْبَعْثِ حِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute