للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْأَكْمَهَ الَّذِي يُولَدُ وَهُوَ مَضْمُومُ الْعَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: الْأَكْمَهُ الْأَعْمَى. وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعَنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهِمْ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: الْأَشْبَهُ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ قَوْلُ قَتَادَةَ، لِأَنَّ عِلَاجَ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ مُعْجِزَةِ عِيسَى ، فَالْأَشْبَهُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُرَادُ عَلَيْهَا وَيَكُونَ أَبْلَغَ فِي إِثْبَاتِ الْمُعْجِزَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدَيْثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدَيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي فَضْلِ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي آخَرِ قِصَّةِ مُوسَى .

تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ.

ثَانِيهمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَضْلِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ حَرْمَلَةَ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مَوْصُولًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ فِي النِّكَاحِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا تَفْضِيلٌ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى نِسَاءِ الْعَرَبِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ غَالِبًا، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (أَحْنَاهُ) أَشْفَقُهُ، حَنَى يَحْنُو وَيَحْنِي مِنَ الثُّلَاثِيِّ، وَأَحْنَى يُحْنِي مِنَ الرُّبَاعِيِّ: أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَعَطَفَ، وَالْحَانِيَةُ الَّتِي تَقُومُ بِوَلَدِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، قَالَ: وَحَنَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى وَلَدِهَا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَتْ بِحَانِيَةٍ. قَالَ الْحَسَنُ فِي الْحَانِيَةِ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ وَلَا تَتَزَوَّجُ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَحَنًّى بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَالتَّنْوِينِ حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ وَقَالَ: لَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَنَانِ بِفَتْحٍ وَتَخْفِيفٍ وَهُوَ الرَّحْمَةُ، وَحَنَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى وَلَدِهَا وَإِلَى زَوْجِهَا سَوَاءٌ كَانَ بِصَوْتٍ أَمْ لَا، وَمِنَ الَّذِي بِالصَّوْتِ حَنِينُ الْجِذْعِ وَأَصْلُهُ تَرْجِيعُ صَوْتِ النَّاقَةِ عَلَى أَثَرِ وَلَدِهَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَحْنَاهُنَّ لَكِنْ جَرَى لِسَانُ الْعَرَبِ بِالْإِفْرَادِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بَعِيرًا قَطُّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ تَدْخُلْ فِي هَذَا التَّفْضِيلِ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَنْ يَرْكَبُ الْإِبِلَ، وَالْفَضْلُ الْوَارِدُ فِي خَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ إِلَّا مَنْ قِيلِ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ أَنَّهَا نَبِيَّةٌ فَهِيَ خَارِجَةٌ بِالشَّرْعِ لِأَنَّ دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ لَا شَيْءَ بَعْدَهَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَيَحْتَاجُ مَنْ يُخْرِجُهُنَّ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ، فَأَشَارَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ تَدْخُلْ فِي هَذَا الْعُمُومِ، لِأَنَّهُ قَيَّدَ أَصْلَ الْفَضْلِ بِمَنْ يَرْكَبُ الْإِبِلَ وَمَرْيَمُ لَمْ تَرْكَبْ بَعِيرًا قَطُّ. وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: كَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ظَنَّ أَنَّ الْبَعِيرَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ يُطْلَقُ الْبَعِيرُ عَلَى الْحِمَارِ.

وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَمْ تَكُنْ إِخْوَةُ يُوسُفَ رُكْبَانًا إِلَّا عَلَى أَحْمِرَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِبِلٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَحْمِلُهُمْ فِي أَسْفَارِهِمْ وَغَيْرِهَا الْأَحْمِرَةُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ هُنَا:: الْبَعِيرُ الْحِمَارُ، وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا الْكُوَاشِيُّ (١) وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: اصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ نَبِيَّةً، وَيُؤَيِّدُ ذِكْرَهَا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَلَا يَمْنَعُ وَصْفَهَا بِأَنَّهَا صِدِّيقَةٌ فَإِنَّ يُوسُفَ وُصِفَ بِذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ نَبِيًّا، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ فِي النِّسَاءِ نَبِيَّاتٍ. وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِسِتٍّ: حَوَّاءَ وَسَارَةَ وَهَاجَرَ وَأُمِّ مُوسَى وَآسِيَةَ وَمَرْيَمَ، وَلَم يَذْكُرِ الْقُرْطُبِيُّ سَارَةَ وَلَا هَاجَرَ، وَنَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِرِ الرَّوْضِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ مَرْيَمَ نَبِيَّةٌ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ نَبِيَّةً، وَنَسَبَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِجَمَاعَةٍ، وَجَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَيْسَ فِي النِّسَاءِ نَبِيَّةٌ


(١) ما بعد هذا تقدم في أول الباب الذي قبل هذا. قال مصحح طبعة بولاق: والنسخ التي بأيدينا متفقة على إثباته في المحلين مع تفاوت يسير جدا، وإنما أعادها هنا لمناسبة المقام لها.