للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعِهِمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَدَّمْتُهُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ إِنْ كَانَتْ نَفْلًا وَعُلِمَ تَأَذِّي الْوَالِدِ بِالتَّرْكِ وَجَبَتِ الْإِجَابَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا وَضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ تَجِبِ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ وَجَبَ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ إِجَابَةَ الْوَالَدِ فِي النَّافِلَةِ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَادِي فِيهَا، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأُمِّ دُونَ الْأَبِ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَقَالَ بِهِ مَكْحُولٌ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنَ السَّلَفِ غَيْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا عِظَمُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَإِجَابَةُ دُعَائِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَعْذُورًا ; لَكِنْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ. وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالتَّابِعِ إِذَا جَرَى مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيبَ لِأَنَّ أُمَّ جُرَيْجٍ مَعَ غَضَبِهَا مِنْهُ لَمْ تَدْعُ عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا دَعَتْ بِهِ خَاصَّةً، وَلَوْلَا طَلَبُهَا الرِّفْقَ بِهِ لَدَعَتْ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الْفَاحِشَةِ أَوِ الْقَتْلِ. وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الصِّدْقِ مَعَ اللَّهِ لَا تَضُرُّهُ الْفِتَنُ. وَفِيهِ قُوَّةُ يَقِينِ جُرَيْجٍ الْمَذْكُورِ وَصِحَّةُ رَجَائِهِ، لِأَنَّهُ اسْتَنْطَقَ الْمَوْلُودَ مَعَ كَوْنِ الْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ ; وَلَوْلَا صِحَّةُ رَجَائِهِ بِنُطْقِهِ مَا اسْتَنْطَقَهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِأَهَمِّهِمَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لِأَوْلِيَائِهِ عِنْدَ ابْتِلَائِهِمْ مَخَارِجَ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَهْذِيبًا وَزِيَادَةً لَهُمْ فِي الثَّوَابِ. وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَوُقُوعُ الْكَرَامَةِ لَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُرَيْجٌ كَانَ نَبِيًّا فَتَكُونُ مُعْجِزَةٌ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَلَّمَهَا وَلَدُهَا الْمُرْضَعُ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ. وَفِيهِ جَوَازُ الْأَخْذِ بِالْأَشَدِّ فِي الْعِبَادَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ مِنْ شَرْعِهِمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْدُقُ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ الْوَطْءِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ جَحْدُ ذَلِكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ تَدْفَعُ قَوْلَهَا. وَفِيهِ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْفَاحِشَةَ لَا تَبْقَى لَهُ حُرْمَةٌ، وَأَنَّ الْمَفْزَعَ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ إِلَى اللَّهِ يَكُونُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِ جُرَيْجٍ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ بِأَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ بِنْتًا لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ جُرَيْجًا نَسَبَ ابْنَ الزِّنَا لِلزَّانِي وَصَدَّقَ اللَّهُ نِسْبَتَهُ بِمَا خَرَقَ لَهُ مِنَ الْعَادَةِ فِي نُطْقِ الْمَوْلُودِ بِشَهَادَتِهِ لَهُ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: أَبِي فُلَانٌ الرَّاعِي، فَكَانَتْ تِلْكَ النِّسْبَةُ صَحِيحَةٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا أَحْكَامُ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، خَرَجَ التَّوَارُثُ وَالْوَلَاءُ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى حُكْمِهِ. وَفِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ فِي خَبَرِ سَارَةَ مَعَ الْجَبَّارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتِ امْرَأَةٌ) بِالرَّفْعِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَلَا عَلَى اسْمِ ابْنِهَا وَلَا عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

قَوْلُهُ: (إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ) وَفِي رِوَايَةِ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَارِسٌ مُتَكَبِّرٌ.

قَوْلُهُ: (ذُو شَارَةٍ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صَاحِبُ حُسْنٍ وَقِيلَ: صَاحِبُ هَيْئَةٍ وَمَنْظَرٍ وَمَلْبَسٍ حَسَنٍ يُتَعَجَّبُ مِنْهُ وَيُشَارُ إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ خِلَاسٍ: ذُو شَارَةٍ حَسَنَةٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي إِيضَاحِ الْخَبَرِ بِتَمْثِيلِهِ بِالْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ مُرَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.

قَوْلُهُ: (بِأَمَةٍ) زَادَ أَحْمَدُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ تُضْرَبُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِيَةِ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا وَهِيَ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا رَاءٌ ثَقِيلَةٌ ثُمَّ رَاءٌ أُخْرَى.

قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ سَأَلَتِ الْأُمُّ ابْنَهَا عَنْ سَبَبِ كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَقَالَ يَا أُمَّتَاهْ، أَمَّا الرَّاكِبُ ذُو الشَّارَةِ فَجَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ.

قَوْلُهُ: (يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ فِيهِمَا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَبِسُكُونِهَا عَلَى الْخَبَرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَفْعَلْ) فِي رِوَايَةِ