بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلتَّرْجَمَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: حَدَيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: حَدَيثُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَشَقِيقٌ هُوَ أَبُو وَائِلٍ.
قَوْلُهُ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا النَّبِيِّ صَرِيحًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ نُوحٌ ﵇، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِ الشُّعَرَاءِ مِنْ طَرِيقِ ابنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ كَانُوا يَبْطِشُونَ بِهِ فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. قُلْتُ: وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَكَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، ثُمَّ لَمَّا يَئِسَ مِنْهُمْ قَالَ: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ الْحَاكِي وَالْمَحْكِيُّ كمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَالَ: هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي جَرَى لَهُ مَا حَكَاهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَدْ جَرَى لِنَبِيِّنَا نَحْوُ ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا وَقَعَ لِلنَّبِيِّ ﷺ ذَكَرَ لِأَصْحَابِهِ أَنَّهُ وَقَعَ لِنَبِيٍّ آخَرَ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ فِيمَا وَقَعَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا شُجَّ وَجْهُهُ وَجَرَى الدَّمُ مِنْهُ. فَاسْتَحْضَرَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قِصَّةَ ذَلِكَ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ لِأَصْحَابِهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ. وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ الْحَاكِي وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْهُ، قَالَ: وَكَأَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِ الْقِصَّةِ، وَلَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ النَّبِيَّ، فَلَمَّا وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّرْجَمَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: إن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَعْنَى هَذَا الدُّعَاءِ الَّذِي قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا شُجَّ وَجْهُهُ، أَيِ: اغْفِرْ لَهُمْ ذَنْبَهُمْ فِي شَجِّ وَجْهِي، لَا أَنَّهُ أَرَادَ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ مُطْلَقًا، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأُجِيبَ وَلَوْ أُجِيبَ لَأَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، كَذَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ بَعْضُ دُعَائِهِ عَلَى بَعْضٍ أَوْ عَنْ بَعْضٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِ: أَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، ثُمَّ وَجَدْتُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ مَا يَمْنَعُ تَأْوِيلَ الْقُرْطُبِيِّ، وَيُعَيِّنُ الْغَزْوَةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِالْجِعِرَّانَةِ، قَالَ: فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ فَكَذَّبُوهُ وَشَجُّوهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ جَبِينِهِ وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ جَبْهَتَهُ يَحْكِي الرَّجُلَ. قُلْتُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ مَسَحَ أَيْضًا، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَكَى صِفَةَ مَسْحِ جَبْهَتِهِ خَاصَّةً كَمَا مَسَحَهَا ذَلِكَ النَّبِيُّ، وَظَهَرَ بِذَلِكَ فَسَادُ مَا زَعَمَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ، وَالسَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ، وَالثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَحَادِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَوْصَى بِأَنْ يُحْرَقَ إِذَا مَاتَ، أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ، وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَسَأَذْكُرُ جَمِيعَ فَوَائِدِهِ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ) بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ تِلْوَ هَذِهِ سَمَاعَ قَتَادَةَ مِنْ عُقْبَةَ، وَعُقْبَةُ الْمَذْكُورُ أَزْدِيٌّ بَصْرِيٌّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ. وَطَرِيقُ مُعَاذٍ هَذِهِ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (رَغَسَهُ اللَّهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ، أَيْ كَثَّرَ مَالَهُ، وَقِيلَ رَغْسُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ لَهُ أَصْلًا مِنْ مَالٍ. وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute