للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَرِيفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يُسْلِمْ وَتَفَقَّهَ، وَيُقَابِلُهُ مَشْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ.

فَأَرْفَعُ الْأَقْسَامِ: مَنْ شَرُفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَتَفَقَّهَ، وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ مَشْرُوفًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَتَفَقَّهَ، وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ شَرِيفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ، وَيَلِيهِ مَنْ كَانَ مَشْرُوفًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرِيفًا أَوْ مَشْرُوفًا، سَوَاءٌ تَفَقَّهَ أَوْ لَمْ يَتَفَقَّهْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ وَالشَّرَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، كَالْكَرَمِ وَالْعِفَّةِ وَالْحِلْمِ وَغَيْرِهَا، مُتَوَقِّيًا لِمَسَاوِيهَا كَالْبُخْلِ وَالْفُجُورِ وَالظُّلْمِ وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (إِذَا فَقِهُوا) بِضَمِّ الْقَافِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا. ثَانِيهَا.

قَوْلُهُ: (وَيَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ) أَيِ الْوِلَايَةِ وَالْإِمْرَةِ، وَقَوْلُهُ: أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً أَيْ أَنَّ الدُّخُولَ فِي عُهْدَةِ الْإِمْرَةِ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ لَهُ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ، لِمَا فِيهِ مِنْ صُعُوبَةِ الْعَمَلِ بِالْعَدْلِ وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَى رَفْعِ الظُّلْمِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مُطَالَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْقَائِمِ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَلَا يَخْفَى خَيْرِيَّةُ مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ: وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْإِطْلَاقَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَعَرَفَ أَنَّ مَنْ فِيهِ مُرَادُهُ، وَأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ خَيْرَ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: حَتَّى يَقَعَ فِيهِ فَاخْتُلِفَ فِي مَفْهُومِهِ فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الْإِمْرَةِ غَيْر رَاغِبٍ فِيهَا إِذَا حَصَلَتْ لَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ تَزُولُ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ فِيهَا لِمَا يُرَى مِنْ إِعَانَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَيْهَا، فَيَأْمَنُ عَلَى دِينِهِ مِمَّنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهَا، وَمِنْ ثَمَّ أَحَبَّ مَنْ أَحَبَّ اسْتِمْرَارَ الْوِلَايَةِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ حَتَّى قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَصَرَّحَ بَعْضُ مَنْ عُزِلَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ تَسُرَّهُ الْوِلَايَةُ بَلْ سَاءَهُ الْعَزْلُ.

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَقَعَ فِيهِ أَيْ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْرَهَهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى الشَّيْءِ وَرَغِبَ فِي طَلَبِهِ قَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ وَقَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِيهِ يَحْصُلُ لَهُ غَالِبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثَالِثُهَا:

قَوْلُهُ: (وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ) سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، فَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْتَقِلًّا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ اثْنَيْنِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.

وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: (النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ) قيل: هو خبر بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ، وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ بَعْضُ النَّاسِ وَهُمْ سَائِرُ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّيْتُهُ لَذَّةُ الْعَيْشِ، بِطُرُقِ الْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَأَذْكُرُ مَقَاصِدَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مَعَ إِيضَاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِمَامَةِ الشَّافِعِيِّ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْخُلَفَاءُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: صَحِبَتِ الْمُسْتَدِلَّ بِهَذَا غَفْلَةٌ مُقَارِنَةٌ لِصَمِيمِ التَّقْلِيدِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الْقُرَشِيَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَضْلِ وَالتَّقَدُّمِ كَمَا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ التَّقَدُّمِ الْوَرَعَ مَثَلًا، فَالْمُسْتَوِيَانِ فِي خِصَالِ الْفَضْلِ إِذَا تَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا بِالْوَرَعِ مَثَلًا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى رَفِيقِهِ، فَكَذَلِكَ الْقُرَشِيَّةُ، فَثَبَتَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى تَقَدُّمِ الشَّافِعِيِّ وَمَزِيَّتُهُ عَلَى مَنْ سَاوَاهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الصِّفَتَيْنِ وَتَمَيَّزه عَلَيْهِ بِالْقُرَشِيَّةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَلَعَلَّ الْغَفْلَةَ وَالْعَصَبِيَّةَ صَحِبَتِ الْقُرْطُبِيَّ فَلِلَّهِ الْأَمْرُ.

وَقَوْلُهُ: كَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ وَقَعَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُعَظِّمُ قُرَيْشًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسُكْنَاهَا الْحَرَمَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ تَوَقَّفَ غَالِبُ الْعَرَبِ عَنِ اتِّبَاعِهِ وَقَالُوا نَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ قَوْمُهُ، فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ مَكَّةَ وَأَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ تَبِعَتْهُمُ الْعَرَبُ وَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَاسْتَمَرَّتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ فِي قُرَيْشٍ، فَصَدَقَ أَنَّ كَافِرَهُمْ كَانَ تَبَعًا لِكَافِرِهِمْ وَصَارَ مُسْلِمُهُمْ تَبَعًا لِمُسْلِمِهِمْ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ) هُوَ