للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابْنُ مَيْسَرَةَ، وَقَعَ مَنْسُوبًا فِي تَفْسِيرِ: حم عسق، وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، وَدُخُولُهُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ تَفْسِيرِ الْمَوَدَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْآيَةِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَهُمُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَعْرِفَةَ النَّسَبِ الَّتِي تُحَقَّقُ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصِلُ الْأَرْحَامَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ إِلَى اللَّهِ خَالَفُوهُ وَقَاطَعُوهُ، فَأَمَرَهُمْ بِصِلَةِ الرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: ﴿الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ فِي التَّفْسِيرِ وَقَوْلُهُ هُنَا: إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنِكُمْ كَذَا وَقَعَ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى وَهُوَ القَطَّانُ، عَنْ شُعْبَةَ، وَوَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاضِحَةٌ وَالْأُولَى مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَنَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ مَشَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: كَانَ هَذَا قُرْآنًا فَنُسِخَ، وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَعْنَى الْآيَةِ فَنُسِبَ إِلَى النُّزُولِ مَجَازًا، وَهُوَ كَقَوْلِ حَسَّانَ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:

وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا … يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ

يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ بِالْمَعْنَى. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَنَزَلَتْ لِلْآيَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ وَقَدْ أَوْضَحَتْ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ فِيهِ قَرَابَةٌ فَنَزَلَتْ: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَتِي مِنْكُمْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ شُعْبَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ بَعْضِ الْآيَةِ بِالْمَعْنَى عَلَى جِهَةِ التَّفْسِيرِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ خَفَاءُ مَعْنَاهَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: (عَنْ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَيْسٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ.

قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي رَفْعِهِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (مِنْ هَاهُنَا) أَيِ الْمَشْرِقِ.

قَوْلُهُ: (جَاءَتِ الْفِتَنُ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ سَيَجِيءُ.

قَوْلُهُ: (نَحْوَ الْمَشْرِقِ) أَيْ وَأَشَارَ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: إِشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُمَا شَيْئَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ وَالْبَثُّ هُوَ الْحُزْنُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْجَفَاءِ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَلِينُ بِالْمَوْعِظَةِ، وَلَا يَخْشَعُ لتذكره. وَالْمُرَادُ بِالْغِلَظِ أَنَّهَا لَا تَفْهَمُ الْمُرَادَ وَلَا تَعْقِلُ الْمَعْنَى، وَقَدْ مَضَى فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ الْقَسْوَةِ بَدَلَ الْجَفَاءِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْفَدَّادِينَ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي بَعْدَهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ ضَرُورَةِ أَنَّ النَّاسَ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ كَالْقَبَائِلِ، وَكَوْنُ الْأَتْقَى مِنْهُمْ هُوَ الْأَكْرَمُ انْتَهَى. وَلَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الْعَرَبِ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَهُمْ كَانُوا أَجَلَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَقُرَيْشٌ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمُ النَّبِيُّ أَحَدُ فُرُوعِ مُضَرَ فَأَمَّا أَهْلُ الْيَمَنِ فَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي لَهُمْ تَرْجَمَةٌ مِنْ نَسَبِ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ) ظَاهِرُهُ نِسْبَةُ