أَنْظُرَ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ فِي عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ أَنَّهُ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُقَالُ: إِنَّ الْمُشَرَبَ مِنْهُ حُمْرَةٌ وَإِلَى السُّمْرَةِ مَا ضَحَى مِنْهُ لِلشَّمْسِ وَالرِّيحِ، وَأَمَّا مَا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ. قُلْتُ: وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي صِفَتِهِ ﷺ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، وَزَادَ وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي زِيَادَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ أَبْيَضُ مُشَرَّبٌ شَدِيدُ الْوَضَحِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ لَيْسَ بِالْأَمْهَقِ وَهُوَ أَصَحُّ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ مَا فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَلَى مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِمَّا لَا يُلَاقِي الشَّمْسَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبِطٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْجُعُودَةُ فِي الشَّعْرِ أَنْ لَا يَتَكَسَّرَ وَلَا يَسْتَرْسِلَ وَالسُّبُوطَةُ ضِدُّهُ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا وَقَوْلُهُ: رَجِلٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا - أَيْ مُتَسَرِّحٌ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ هُوَ رَجِلٌ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ بِالْخَفْضِ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَنْفِيِّ، وَقَدْ وُجِّهَ عَلَى أَنَّهُ خَفَضَهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ.
قَوْلُهُ: (أُنْزِلَ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بَعَثَهُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بُعِثَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ حِينَ بُعِثَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ، فَمَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْغَى الْكَسْرَ أَوْ جَبَرَ، لَكِنْ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ بُعِثَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً سَوَاءً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَعِنْدَ الْجِعَابِيِّ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ شَاذٌّ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا وَضُمَّ إِلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَبْعَثَ فِي رَمَضَانَ فَيَصِحُّ أَنَّهُ بُعِثَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ أَيْضًا.
وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: بُعِثَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وُلِدَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي تَارِيخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُتَقِيِّ وَعَزَاهُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَزَادَ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَهُوَ شَاذٌّ. وَمِنَ الشَّاذِّ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ، وَتَبِعَهُ الْبِلَاذُرِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَفِي تَارِيخِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ: (فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ ﷺ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَاضِي قَرِيبًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْإِس مَاعِيلِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَحَدَهُمَا، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الْوَفَاةِ آخَرَ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ) أَيْ بَلْ دُونَ ذَلِكَ، وَلِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قُلْتُ لِرَبِيعَةَ: جَالَسْتَ أَنَسًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: شَابَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِشْرِينَ شَيْبَةً هَهُنَا يَعْنِي الْعَنْفَقَةَ وَلِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ وَقَدِ اقْتَضَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ شَيْبَهُ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرِ