خَاطِرَ أَبِي بَكْرٍ تَشَوَّشَ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ وَأَهْلُهُ وَأَضْيَافُهُ بِسَبَبِ امْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْأَكْلِ، وَتَكَدَّرَ خَاطِرُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْحَرَجِ بِالْحَلِفِ وَبِالْحِنْثِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ، فَتَدَارَكَ اللَّهُ ذَلِكَ وَرَفَعَهُ عَنْهُ بِالْكَرَامَةِ الَّتِي أَبْدَاهَا لَهُ، فَانْقَلَبَ ذَلِكَ الْكَدَرُ صَفَاءً وَالنَّكَدُ سُرُورًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ وُقُوعُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَأَوْرَدَهُ هُنَا مِنْ طَرِيقَيْنِ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَوْلُهُ: وَعَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَمَّادًا سَمِعَهُ عَنْ أَنَسٍ عَالِيًا وَنَازِلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ ثَابِتٍ وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ، وَذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّ حَمَّادًا تَفَرَّدَ بِطَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ هَذِهِ
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ يَقُولُ فَعَرَّفَنَا) وَهُوَ مِنَ الْعِرَافَةِ، وَكَذَا اخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ هَلْ قَالَ: فَرَّقَنَا أَوْ عَرَّفَنَا، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَعَرَّفَنَا مِنَ الْعِرَافَةِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَسُمِّيَ الْعَرِّيفُ عَرِّيفًا لِأَنَّهُ يُعَرِّفُ الْإِمَامَ أَحْوَالَ الْعَسْكَرِ. وَزَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَعَرَّفَنَا، قُلْتُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفُهُمْ وَإِرْسَالُهُمْ قَبْلَ الرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (هَلَكَتِ الْكُرَاعُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ عَنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ كَسْرُهَا وَخُطِّئَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَيْلُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَهُ.
قَوْلُهُ: (كَمِثْلِ الزُّجَاجَةِ) أَيْ مِنْ شِدَّةِ الصَّفَاءِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ السَّحَابِ.
قَوْلُهُ: (فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا) قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ: هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: نَشَأَ السَّحَابُ إِذَا ارْتَفَعَ وَأَنْشَأَ اللَّهُ السَّحَابَ لِقَوْلِهِ: ﴿وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ﴾ قُلْتُ: الْمُرَادُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الثَّانِي، وَنِسْبَةُ الْإِنْشَاءِ إِلَى الرِّيحِ مَجَازِيَّةٌ وَذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْكُلَّ بِإِنْشَاءِ اللَّهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ أَنَّ الرِّيحَ تُلَقِّحُ السَّحَابَ.
قَوْلُهُ: (عَزَالَيْهَا) بِالزَّايِ الْخَفِيفَةِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ تَثْنِيَةٌ عَزْلَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا وَتَفْسِيرُهَا قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ) تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مَا يُقَرِّبُ أَنَّهُ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، وَمَا يُوَضِّحُ أَنَّ الَّذِي قَامَ أَوَّلًا هُوَ الَّذِي قَامَ ثَانِيًا، وَأَنَّ أَنَسًا جَزَمَ بِهِ تَارَةً وَشَكَّ فِيهِ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (تَصَدَّعَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تَتَصَدَّعُ وَهُوَ الْأَصْلُ.
قَوْلُهُ: (إِكْلِيلٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ هِيَ الْعِصَابَةُ الَّتِي تُحِيطُ بِالرَّأْسِ، وَأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْعِصَابَةُ مُكَلَّلَةً بِالْجَوْهَرِ وَهِيَ مِنْ سِمَاتِ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَصْلَهُ مَا أَحَاطَ بِالظُّفْرِ مِنَ اللَّحْمِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَا أَحَاطَ بِشَيْءٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣٥٨٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
٣٥٨٤ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا قَالَ إِنْ شِئْتُمْ فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ