بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ جَارِي الْحَدِيثَ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مِنْ قَبِيلَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَهُوَ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ جَارَهُ مِنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا الْكِرْمَانِيُّ: أَلَا بِلَامٍ بَدَلَ النُّونِ، وَهِيَ لِلتَّنْبِيهِ. وَقَوْلُهُ: أَعْلَمُ لَكَ؛ أَيْ لِأَجْلِكَ. وَقَوْلُهُ: عِلْمَهُ؛ أَيْ خَبَرَهُ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ) كَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ الْتِفَاتٌ، وَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ: كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي.
قَوْلُهُ: (فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا)؛ أَيْ مِثْلَ مَا قَالَ ثَابِتٌ إنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ) هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى مُوسَى، لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ بَاقِيَ الْحَدِيثِ مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُتَّصِلًا بِلَفْظِ: قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: (بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ) هِيَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: إِنَّمَا يَتِمُّ الْغَرَضُ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ أَيْ مِنْ إِيرَادِهِ فِي بَابِ عَلَامَةِ النُّبُوَّةِ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ، أَيِ الَّذِي مَضَى فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي بَابِ التَّحَنُّطِ عِنْدَ الْقِتَالِ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ شَهِيدًا؛ يَعْنِي وَظَهَرَ بِذَلِكَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ ﷺ: إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِكَوْنِهِ اسْتُشْهِدَ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ إِشَارَةً لِأَنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ. فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ، وَأَنَا جَهِيرٌ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقَالَ لَهُ ﵊: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ سَعِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ وَهَذَا مُرْسَلٌ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَلْحَقْ ثَابِتًا.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إنَّ ثَابِتًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُعْضَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَهُ أَحَدًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَعَاشَ حَمِيدًا، وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ. وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَيْضًا مِنْ مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ الْآيَةَ قَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِي آخِرِهِ: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُفٍّ لِهَؤُلَاءِ وَلِمَا يَعْبُدُونَ، وَأُفٍّ لِهَؤُلَاءِ وَلِمَا يَصْنَعُونَ. قَالَ: وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى ثُلْمَةٍ فَقَتَلَهُ وَقُتِلَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَقَالَ فِي آخِرِهَا: قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِي بَعْضِنَا بَعْضُ الِانْكِشَافِ، فَأَقْبَلَ وَقَدْ تَكَفَّنَ وَتَحَنَّطَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي بِنْتُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ دَخَلَ ثَابِتٌ بَيْتَهُ فَأَغْلَقَ بَابَهُ - فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً، وَفِيهَا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: تَعِيشُ حَمِيدًا وَتَمُوتُ شَهِيدًا، وَفِيهَا: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ ثَبَتَ حَتَّى قُتِلَ.