للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ قَالَ: عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَبُو بَكْرٍ صَاحِبِي وَمُؤْنِسِي فِي الْغَارِ الْحَدِيثَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ) هُوَ الْغُدَانِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ، وَكَذَا بَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِلَفْظِ: فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلُهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي وَظَاهِرُهُمَا التَّخَالُفُ، فَإِنَّ مُقْتَضَى رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ عَازِبًا امْتَنَعَ مِنْ إِرْسَالِ وَلَدِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى يُحَدِّثَهُمْ، وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقِ التَّحْدِيثَ عَلَى شَرْطٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ عَازِبًا اشْتَرَطَ أَوَّلًا، وَأَجَابَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى سُؤَالِهِ، فَلَمَّا شَرَعُوا فِي التَّوَجُّهِ اسْتَنْجَزَ عَازِبٌ مِنْهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ مِنَ التَّحْدِيثِ فَفَعَلَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنِ اسْتَجَازَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّحْدِيثِ ; وَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا التَّحْدِيثَ بِضَاعَةً، وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ عَازِبٍ، وَأَبِي بَكْرٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ التُّجَّارِ بِأَنَّ أَتْبَاعَهُمْ يَحْمِلُونَ السِّلْعَةَ مَعَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَعْطَاهُمْ أُجْرَةً أَمْ لَا، كَذَا قَالَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْجَوَازِ بِذَلِكَ بُعْدًا، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَنَّ عَازِبًا لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إِرْسَالِ ابْنِهِ لَاسْتَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ التَّحْدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَلَا عَلَى تَسْمِيَةِ صَاحِبِ الْغَنَمِ، إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ شَيْءٌ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الرَّاعِي، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ الْحَدِيثَ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الرَّاعِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لِأَنَّ ذَاكَ قِيلَ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا أَشَارَ بِأَنَّهُ غَيْرُ حَالِبٍ، وَذَاكَ حَلَبَ مِنْ شَاةٍ حَافِلٍ وَهَذَا مِنْ شَاةٍ لَمْ تُطْرَقْ وَلَمْ تَحْمِلْ، ثُمَّ إِنَّ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّتَهُ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ إِسْلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِسْلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِزَمَانٍ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ فِي الْهِجْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَوْسٍ، عَنْ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُهَا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ: حَتَّى رَضِيتُ فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ أَمْعَنَ فِي الشُّرْبِ، وَعَادَتُهُ الْمَأْلُوفَةُ كَانَتْ عَدَمَ الْإِمْعَانِ.

قَوْلُهُ: (قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ بَدَأَ فَسَأَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ: إِنَّمَا شَرِبَ النَّبِيُّ مِنْ لَبَنِ تِلْكَ الْغَنَمِ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي زَمَنِ الْمُكَارَمَةِ، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُهُ: لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي زَمَنِ التَّشَاحِّ، أَوِ الثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى التَّسَوُّرِ وَالِاخْتِلَاسِ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ قَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ سُؤَالَ الرَّاعِي هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. كَأَنَّهُ سَأَلَهُ هَلْ أَذِنَ لَكَ صَاحِبُ الْغَنَمِ فِي حَلَبِهَا لِمَنْ يَرِدُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ لِلْعَرَبِ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ وَالْإِذْنِ فِي الْحَلْبِ عَلَى الْمَارِّ وَلِابْنِ السَّبِيلِ، فَكَانَ كُلُّ رَاعٍ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنَّمَا شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ وَلَهُ شُرْبُ ذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ، وَلَا سِيَّمَا النَّبِيُّ . وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا اسْتَجَازَهُ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ، لِأَنَّ