الْقِتَالَ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ بَعْدُ وَلَا أُبِيحَتِ الْغَنَائِمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ اللُّقَطَةِ، وَفِيهَا الْكَلَامُ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ مُطْلَقًا. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ: خِدْمَةُ التَّابِعِ الْحُرِّ لِلْمَتْبُوعِ فِي يَقِظَتِهِ وَالذَّبُّ عَنْهُ عِنْدَ نَوْمِهِ، وَشِدَّةُ مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَدَبُهُ مَعَهُ وَإِيثَارُهُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِيهِ أَدَبُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنْظِيفِ لِمَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، وَفِيهِ اسْتِصْحَابُ آلَةِ السَّفَرِ كَالْإِدَاوَةِ وَالسُّفْرَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّوَكُّلِ، وَسَتَأْتِي قِصَّةُ سُرَاقَةَ فِي الْهِجْرَةِ مُسْتَوْفَاةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَوْرَدَهَا هُنَا مُخْتَصَرَةً جِدًّا وَفِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ أَتَمَّ مِنْهُ.
(تَنْبِيهٌ): أَوْرَدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِي آخِرِهِ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً، وَسَأَذْكُرُ مَا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (تُرِيحُونَ بِالْعَشِيِّ، تَسْرَحُونَ بِالْغَدَاةِ) هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُثْبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ فِيهِ وَيَرْعَى عَلَيْهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَيُرِيحُهُمَا عَلَيْهِمَا فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ شَرْحِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ ذِكْرٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ ثَابِتٍ) فِي رِوَايَةِ حَبَّانَ بْنِ هِلَالٍ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ) فِي رِوَايَةِ حَبَّانَ الْمَذْكُورَةِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا فِي الْغَارِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ حَبَّانَ الْمَذْكُورَةِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَمَّامٍ فِي الْهِجْرَةِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) فِيهِ مَجِيءُ لَوِ الشَّرْطِيَّةِ لِلِاسْتِقْبَالِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِمَجِيءِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَالَهُ حَالَةَ وُقُوفِهِمْ عَلَى الْغَارِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَالَهُ بَعْدَ مُضِيِّهِمْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى صِيَانَتِهِمَا مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ وَفِي رِوَايَةِ حَبَّانَ رَفَعَ قَدَمَيْهِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَهِيَ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ بَابَ الْغَارِ اسْتَتَرَ بِأَقْدَامِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ اسْتَتَرَ بِثِيَابِهِمْ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَبَّانَ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ هَمَّامٍ، وَوَقَعَ فِي مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ قَالَ: وَأَتَى الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ الَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى طَلَعُوا فَوْقَهُ، وَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ أَصْوَاتَهُمْ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ وَالْخَوْفُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ ﷿: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ الْآيَةَ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ قَالَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ حِينَئِذٍ، وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَحْزَنْ.
قَوْلُهُ: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) فِي رِوَايَةِ مُوسَى فَقَالَ: اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا وَقَوْلُهُ: اثْنَانِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ نَحْنُ اثْنَانِ، وَمَعْنَى ثَالِثُهُمَا نَاصِرُهُمَا وَمُعِينُهُمَا، وَإِلَّا فَاللَّهُ ثَالِثُ كُلِّ اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ، وَفِيهِ أَنَّ بَابَ الْغَارِ كَانَ مُنْخَفِضًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ ضَيِّقًا، فَقَدْ جَاءَ فِي السِّيَرِ لِلْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ وَجَلَسَ يَبُولُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ رَآنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَوْ رَآنَا لَمْ يَكْشِفْ عَنْ فَرْجِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(تَنْبِيهٌ): اشْتُهِرَ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ تَفَرَّدَ بِهِ هَمَّامٌ،