قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا، قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ) يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِهِ السَّابِقِ قَبْلُ بِبَابٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرَ رَبِّي وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا. وَقَدْ تَوَارَدَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى نَفْيِ الْخُلَّةِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ أَحْدَثَ عَهْدِي بِنَبِيِّكُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسٍ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدِ اتَّخَذَ مِنْ أُمَّتِهِ خَلِيلًا، وَإِنَّ خَلِيلِي أَبُو بَكْرٍ. أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا أَخْرَجَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ فِي فَوَائِدِهِ، وَهَذَا يُعَارِضُهُ مَا فِي رِوَايَةِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ أُبَيٍّ أَمْكَنَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ وَإِعْظَامًا لَهُ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا رَأَى مَنْ تَشَوُّفِهِ إِلَيْهِ وَإِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ، فَلَا يَتَنَافَى الْخَبَرَانِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوَ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ دُونَ التَّقْيِيدِ بِالْخَمْسِ، أَخْرَجَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْخَبَرَانِ وَاهِيَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي) فِي رِوَايَةِ خَيْثَمَةَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهَا قَبْلَ بَابٍ. وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ التَّنُوخِيُّ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْخَلِيلِ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَوَدَّةِ وَالْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالصَّدَاقَةِ هلْ هِيَ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْخُلَّةُ أَرْفَعُ رُتْبَةً، وَهُوَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ الْبَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ ﵇: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَلِيلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَدْ ثَبَتَتْ مَحَبَّتُهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا اتِّصَافُ إِبْرَاهِيمَ ﵇ بِالْخُلَّةِ وَمُحَمَّدٍ ﷺ بِالْمَحَبَّةِ فَتَكُونُ الْمَحَبَّةُ أَرْفَعَ رُتْبَةً مِنَ الْخُلَّةِ، لِأَنَّهُ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْأَمْرَانِ مَعًا فَيَكُونُ رُجْحَانُهُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْخَلِيلُ هُوَ الَّذِي يُوَافِقُكَ فِي خِلَالِكَ وَيُسَايِرُكَ فِي طَرِيقِكَ، أَوِ الَّذِي يَسُدُّ خَلَلَكَ وَتَسُدُّ خَلَلَهُ، أَوْ يُدَاخِلُكَ خِلَالَ مَنْزِلِكَ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُهُ مِمَّا ذُكِرَ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْخُلَّةِ انْقِطَاعُ الْخَلِيلِ إِلَى خَلِيلِهِ، وَقِيلَ: الْخَلِيلُ مَنْ يَتَخَلَّلُهُ سِرُّكَ، وَقِيلَ: مَنْ لَا يَسَعُ قَلْبُهُ غَيْرَكَ، وَقِيلَ: أَصْلُ الْخُلَّةِ الِاسْتِصْفَاءُ، وَقِيلَ: الْمُخْتَصُّ بِالْمَوَدَّةِ، وَقِيلَ: اشْتِقَاقُ الْخَلِيلِ مِنَ الْخَلَّةِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحَاجَةُ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُخَالُّهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، أَمَّا خُلَّةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فَبِمَعْنَى نَصْرِهِ لَهُ وَمُعَاوَنَتِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْمَعْنَى، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْجَدِّ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بَعْضُ أَهْلِهَا وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَعَلَهُ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَعَلَهُ عَلَى الْقَضَاءِ فَجَاءَهُ كِتَابُهُ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْجَدِّ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُ أَخِي فِي الدِّينِ، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute