للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَيْسَتْ مُضَافَةً وَلَا فِيهَا أَلِفٌ وَلَامٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْحَذْفُ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ. وَوَجَّهَهَا غَيْرُهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ صَاحِبِي مُضَافًا وَفُصِلَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عِنَايَةً بِتَقْدِيمِ لَفْظِ الْإِضَافَةِ، وَفِي ذَلِكَ جَمْعَ بَيْنَ إِضَافَتَيْنِ إِلَى نَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِلصِّدِّيقِ، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ) بِنَصْبِ أَوْلَادَهُمْ وَخَفْضِ شُرَكَائِهِمْ وَفَصَلَ بَيْنَ الْمُضَافَيْنِ بِالْمَفْعُولِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ اسْتَطَالَ الْكَلَامَ فَحَذَفَ النُّونَ كَمَا يُحْذَفُ مِنَ الْمَوْصُولِ الْمُطَوَّلِ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾

قَوْلُهُ: (مَرَّتَيْنِ) أَيْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

قَوْلُهُ: (فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا) أَيْ لِمَا أَظْهَرَهُ النَّبِيُّ لَهُمْ مِنْ تَعْظِيمِهِ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَوَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ مَعَ رَبِيعَةَ بْنِ جَعْفَرَ قِصَّةٌ نَحْوَ هَذِهِ: فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ أَعْطَاهُ أَرْضًا وَأَعْطَى أَبَا بَكْرٍ أَرْضًا، قَالَ: فَاخْتَلَفَا فِي عَذْقِ نَخْلَةٍ، فَقُلْتُ أَنَا: هِيَ فِي حَدِّي، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ فِي حَدِّي، فَكَانَ بَيْنَنَا كَلَامٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ كَلِمَةً ثُمَّ نَدِمَ فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا، فَأَبَيْتُ، فَأَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ - فَذَكَرَ الْقِصَّةَ - فَقَالَ: أَجَلْ فَلَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ. فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ يَبْكِي. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُغَاضِبَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَفِيهِ جَوَازُ مَدْحِ الْمَرْءِ فِي وَجْهِهِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ الِافْتِتَانُ وَالِاغْتِرَارُ. وَفِيهِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَشَرِيَّةِ حَتَّى يَحْمِلُهُ الْغَضَبَ عَلَى ارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى، لَكِنِ الْفَاضِلُ فِي الدِّينِ يُسْرِعُ الرُّجُوعَ إِلَى الْأَوْلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ وَفِيهِ أَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ وَلَوْ بَلَغَ مِنَ الْفَضْلِ الْغَايَةَ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ.

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّحَلُّلِ مِنَ الْمَظْلُومِ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ غَضِبَ عَلَى صَاحِبِهِ نَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ بِاسْمِهِ وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا جَاءَ وَهُوَ غَضْبَانَ مِنْ عُمَرَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : إِلَّا إِنْ كَانَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، وَفِيهِ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَيْسَتْ عَوْرَةً. الْحَدِيثُ السَّابِعُ.

قَوْلُهُ: (خَالِدٌ الْحَذَّاءِ حَدَّثَنَا) هُوَ مِنْ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى الصِّفَةِ وَقَدِ اسْتَعْمَلُوهُ كَثِيرًا، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا الصَّحَابِيَّ، وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ.

قَوْلُهُ: (بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْأُولَى عَلَى لَفْظِ جَمْعِ السِّلْسِلَةِ، وَضَبَطَهُ كَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ، قِيلَ: سُمِّيَ الْمَكَانُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ رَمْلٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَالسِّلْسِلَةِ، وَضَبَطَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ بِالضَّمِّ، وَقَالَ: هُوَ بِمَعْنَى السِّلْسَالِ أَيِ السَّهْلُ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا وَتَسْمِيَتُهَا فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأُحِبُّهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ سَبَبُ هَذَا السُّؤَالِ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِ عَمْرٍو لَمَّا أَمَّرَهُ النَّبِيُّ عَلَى الْجَيْشِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ لِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ) فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرٍو عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي النِّسَاءَ، إِنِّي أَعْنِي الرِّجَالَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ عَنْ أَهْلِكَ نَسْأَلُكَ، وَعُرِفَ بِحَدِيثِ عُمَرَ اسْمُ السَّائِلِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ.

قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا) زَادَ فِي الْمَغَازِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَيُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ