مَنْ؟ قَالَتْ: عُمَرُ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ فَسَكَتَتْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بَعْضُ الرِّجَالِ الَّذِينَ أُبْهِمُوا فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا وَهِيَ تَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي الْحَدِيثُ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ مِمَّنْ أَبْهَمَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَهُوَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ يُعَارِضُ حَدِيثَ عَمْرٍو لَكِنْ يُرَجَّحُ حَدِيثَ عَمْرٍو أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَهَذَا مِنْ تَقْرِيرِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْمَحَبَّةِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمُومِهِ بِخِلَافِ عَلِيٍّ، وَيَصِحُّ حِينَئِذٍ دُخُولُهُ فِيمَنْ أَبْهَمَهُ عَمْرٌو، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تقُولَ الرَّافِضَةُ مِنْ إِبْهَامِ عَمْرٍو فِيمَا رَوَى لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ ﵄، فَقَدْ كَانَ النُّعْمَانُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَلِيٍّ وَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنَ التَّحْدِيثِ بِمَنْقَبَةِ عَلِيٍّ، وَلَا ارْتِيَابَ فِي أَنَّ عَامرًا أَفْضَلُ مِنَ النُّعْمَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الذِّئْبِ الَّذِي كَلَّمَ الرَّاعِيَ، وَفِي قِصَّةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي كَلَّمَتْ مَنْ حَمَّلَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا فِي إِسْنَادِهِ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ) الْحَدِيثُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّاعِي، وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ وَقَعَ كَلَامُ الذِّئْبِ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي، فَشَدَّ الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا، فَصِحْتُ عَلَيْهِ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ يُخَاطِبُنِي وَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ تَشْتَغِلُ عَنْهَا؟ تَمْنَعُنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ تَعَالَى. فَصَفَّقْتُ بِيَدِي وَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ هَذِهِ النَّخَلَاتِ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، قَالَ: فَأَتَى أُهْبَانُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُهْبَانُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ حَاضِرَيْنِ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ غَائِبَيْنِ، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِي ﷺ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَفِيهِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ أَيْ عِنْدَ حِكَايَةِ النَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ﷺ قَالَ ذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَبَةِ صِدْقِ إِيمَانِهِمَا وَقُوَّةِ يَقِينِهِمَا، وَهَذَا أَلْيَقُ بِدُخُولِهِ فِي مَنَاقِبِهِمَا.
قَوْلُهُ: (يَوْمَ السَّبُعِ) قَالَ عِيَاضٌ: يَجُوزُ ضَمُّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونُهَا، إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالضَّمِّ، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: هُوَ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ بِالْإِسْكَانِ، وَالضَّمُّ تَصْحِيفٌ، كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ بِالسُّكُونِ وَالْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِالضَّمِّ وَعَلَى هَذَا - أَيِ الضَّمُّ - فَالْمَعْنَى إِذَا أَخَذَهَا السَّبُعُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهَا مِنْهُ فَلَا يَرْعَاهَا حِينَئِذٍ غَيْرِي، أَيْ أَنَّكَ تَهْرُبُ مِنْهُ وَأَكُونُ أَنَا قَرِيبًا مِنْهُ أَرْعَى مَا يَفْضُلُ لِي مِنْهَا. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ مَنْ لَهَا يَوْمَ يَطْرُقُهَا السَّبُعُ - أَيِ الْأَسَدُ - فَتَفِرُّ أَنْتَ مِنْهُ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَاجَتَهُ وَأَتَخَلَّفُ أَنَا لَا رَاعِيَ لَهَا حِينَئِذٍ غَيْرِي، وَقِيلَ: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْفِتَنِ فَتَصِيرُ الْغَنَمُ هَمَلًا فَتَنْهَبُهَا السِّبَاعُ فَيَصِيرُ الذِّئْبُ كَالرَّاعِي لَهَا لِانْفِرَادِهِ بِهَا.
وَأَمَّا بِالسُّكُونِ فَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ: هُوَ اسْمُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْحَشْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا بِأَنَّ الذِّئْبَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ يَوْمِ عِيدٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَيَغْفُلُ الرَّاعِي عَنْ غَنَمِهِ فَيَتَمَكَّنُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي مُبَالَغَةً فِي تَمَكُّنِهِ مِنْهَا، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute