عُثْمَانُ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: فَرَجَعَتِ الْمَوَالِي يَقُولُونَ: كَنَّى عَنْ عُثْمَانَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كَنَّى عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَحَدٍ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي أَيِّ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَلُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ؟ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ بِآخِرِةٍ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ تَرْتِيبَهُمْ فِي الْفَضْلِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ، ﵃ أَجْمَعِينَ.
قَالَ القُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ مَا مُلَخَّصُهُ: الْفَضَائِلُ جَمْعُ فَضِيلَةٍ، وَهِيَ الْخَصْلَةُ الْجَمِيلَةُ الَّتِي يَحْصُلُ لِصَاحِبِهَا بِسَبَبِهَا شَرَفٌ وَعُلُوُّ مَنْزِلَةٍ إِمَّا عِنْدَ الْحَقِّ وَإِمَّا عِنْدَ الْخَلْقِ، وَالثَّانِي لَا عِبْرَةَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوْصَلَ إِلَى الْأَوَّلِ، فَإِذَا قُلْنَا: فُلَانٌ فَاضِلٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ، وَهَذَا لَا تَوَصُّلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الرَّسُولِ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْهُ إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا قَطَعْنَا بِهِ أَوْ ظَنِّيًّا عَمِلْنَا بِهِ، وَإِذَا لَمْ نَجِدِ الْخَبَرَ فَلَا خَفَاءَ أَنَّا إِذَا رَأَيْنَا مَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى الْخَيْرِ وَيَسَّرَ لَهُ أَسْبَابَهُ أَنَّا نَرْجُو حُصُولَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لَهُ لِمَا جَاءَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمَقْطُوعُ بِهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ بَعْدَهُمَا: فَالْجُمْهُورُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، وَعَنْ مَالِكٍ التَّوَقُّفُ، وَالْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَمُسْتَنَدُهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِلَافَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَمَنْزِلَتُهُمْ عِنْدَهُ بِحَسَبِ تَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي نُزُولِ آيَةِ التَّيَمُّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ فِي آخِرِهِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ ذِكْرُ أَلْفَاظٍ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِمْ.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ ذَكْوَانَ) هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سَأُبَيِّنُهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ، وَمُحَاضِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ - وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ - ذِكْرُ سَبَبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٌ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ أَخْرَجَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَصْحَابِي أَصْحَابٌ مَخْصُوصُونَ، وَإِلَّا فَالْخِطَابُ كَانَ لِلصَّحَابَةِ، وَقَدْ قَالَ أحدكم أنفق: لو أن أَنْفَقَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ الْآيَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهْيُ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ عَنْ سَبِّ مَنْ سَبَقَهُ يَقْتَضِي زَجْرَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ ﷺ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ عَنْ سَبِّ مَنْ سَبَقَهُ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، وَغَفَلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ لِغَيْرِ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْ سَيُوجَدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمَفْرُوضِينَ فِي الْعَقْلِ؛ تَنْزِيلًا لِمَنْ سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ لِلْقَطْعِ بِوُقُوعِهِ، وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ عَلَيْهِ وُقُوعُ التَّصْرِيحِ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَوْجُودِينَ إِذْ ذَاكَ بِالِاتِّفَاقِ.
قَوْلُهُ: (أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا) زَادَ الْبَرْقَانِيُّ فِي الْمُصَافَحَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ.
قَوْلُهُ: (مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) أَيِ الْمُدُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالنَّصِيفُ بِوَزْنِ رَغِيفٍ هُوَ النِّصْفُ كَمَا يُقَالُ: عُشْرٌ وَعَشِيرٌ وَثُمُنٌ وَثَمِينٌ، وَقِيلَ: النَّصِيفُ مِكْيَالٌ دُونَ الْمُدِّ، وَالْمُدُّ بِضَمِّ الْمِيمِ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ ضُبِطَ قَدْرُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ وَالطُّولُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ تَقْرِيرُ أَفْضَلِيَّةِ الصَّحَابَةِ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلّ لِمَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ لَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا يَنَالُ أَحَدُكُمْ بِإِنْفَاقِ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنَ الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ مَا يَنَالُ أَحَدُهُمْ بِإِنْفَاقِ مُدَّ طَعَامٍ أَوْ نَصِيفَهُ. وَسَبَبُ التَّفَاوُتِ مَا يُقَارِنُ الْأَفْضَلَ مِنْ مَزِيدِ الْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ. قُلْتُ: وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَبَبِ لْأَفْضَلِيَّةِ عِظَمُ مَوْقِعِ ذَلِكَ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ، وَأَشَارَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ بِسَبَبِ الْإِنْفَاقِ إِلَى الْأَفْضَلِيَّةِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَمَا وَقَعَ فِي الْآيَةِ ﴿مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ