الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ فَإِنَّ فِيهَا إِشَارَةً إِلَى مَوْقِعِ السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَالْقِتَالَ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ عَظِيمًا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَقِلَّةِ الْمُعْتَنِي بِهِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَثُرُوا بَعْدَ الْفَتْحِ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ الْمُتَقَدِّمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ جَرِيرٌ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ هُوَ الْخُرَيْبِيُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ الضَّرِيرُ، وَمُحَاضِرٌ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ بِوَزْنِ مُجَاهِدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَيْ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَأَمَّا رِوَايَةُ جَرِيرٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَاضِرٍ فَرُوِّينَاهَا مَوْصُولَةً فِي فَوَائِدِ أَبِي الْفَتْحِ الْحَدَّادِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الضَّبِّيِّ عَنْ مُحَاضِرٍ الْمَذْكُورِ فَذَكَرَهُ مِثْلَ رِوَايَةِ جَرِيرٍ، لَكِنْ قَالَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ بَدَلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَوْلُ جَرِيرٍ أَصَحُّ، وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ فَوَصَلَهَا مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ الْقِصَّةُ، وَكَذَا أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ عَنْهُ هَكَذَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَدَلَ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ وَهَمٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ خَلَفٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ الْمِزِّيُّ: كَأَنَّ مُسْلِمًا وَهَمَ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِطَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ ثَنَّى بِحَدِيثِ جَرِيرٍ فَسَاقَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِحَدِيثِ وَكِيعٍ وَرَبَّعَ بِحَدِيثِ شُعْبَةَ وَلَمْ يَسُقْ إِسْنَادَهُمَا بَلْ قَالَ بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، فَلَوْلَا أَنَّ إِسْنَادَ جَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ لَمَا أَحَالَ
عَلَيْهِمَا مَعًا فَإِنَّ طَرِيقَ وَكِيعٍ، وَشُعْبَةَ جَمِيعًا تَنْتَهِي إِلَى أَبِي سَعِيدٍ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ اتِّفَاقًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمٍ فِيهِ فِي مُسْنَدِهِ وَمُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ، وَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ غَنَّامٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ جَوَّاسٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ بَعْدَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ وَقَعَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ إِذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَبَيَّنَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ مَعَ جَزْمِهِ فِي الْعِلَلِ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي تَتَبُّعِهِ أَوْهَامَ الشَّيْخَيْنِ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ هَذِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَالْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ، وَخَيْثَمَةُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ أَحَدِ شُيُوخِ مُسْلِمٍ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنِ ابْنِ مَاجَهِ اخْتِلَافٌ: فَفِي بَعْضِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالصَّوَابُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
لِأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ جَمَعَ فِي سِيَاقِهِ بَيْنَ جَرِيرٍ، وَوَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ، وَجَرِيرٍ إِنَّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكُلُّ مَنْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْمُصَنِّفِينَ وَالْمُخَرِّجِينَ أَوْرَدَهُ عَنْهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
وَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ جِدًّا مِنِ ابْنِ مَاجَهْ قُرِئَتْ فِي سَنَةِ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهِيَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَفِيهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا مُسْتَبْعَدٌ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَمَعَهُمَا وَلَوْ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ غَالِبُ مَا وُجِدَ عَنْهُ ذِكْرَ أَبِي سَعِيدٍ دُونَ ذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شُذُوذًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ فِي الْعِلَلِ: رَوَاهُ مُسَدَّدٌ، وَأَبُو كَامِلٍ، وَشَيْبَانُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ عَفَّانُ، وَيَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute