للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خِلَافَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَلِيَ سَنَتَيْنِ وَبَعْضَ سَنَةٍ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَقَالَ: ذَنُوبَيْن أَوْ ثَلَاثَةً، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فُتِحَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْفُتُوحِ الْكِبَارِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي ذِكْرِ عُمَرَ إِلَى عَدَدِ مَا نَزَعَهُ مِنَ الدِّلَاءِ وَإِنَّمَا وَصَفَ نَزْعَهُ بِالْعَظَمَةِ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَتِهِ مِنَ الْفُتُوحَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ تَفْسِيرَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ قِصَرُ مُدَّتِهِ وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ وَشُغْلُهُ بِالْحَرْبِ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الِافْتِتَاحِ وَالِازْدِيَادِ الَّذِي بَلَغَهُ عُمَرُ فِي طُولِ مُدَّتِهِ، انْتَهَى. فَجَمَعَ فِي كَلَامِهِ مَا تَفَرَّقَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَاعْبُرْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَلِي الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِكَ، ثُمَّ يَلِيهِ عُمَرُ، قَالَ: كَذَلِكَ عَبَّرَهَا الْمَلَكُ. أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ) أَيْ أَنَّهُ عَلَى مَهْلٍ وَرِفْقٍ.

قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا دُعَاءٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، أَيْ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ وَفَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﵇: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ فَإِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِلَّةَ الْفُتُوحِ فِي زَمَانِهِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّ سَبَبَهُ قِصَرُ مُدَّتِهِ، فَمَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ رَفْعُ الْمَلَامَةِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، أَيْ دَلْوًا عَظِيمَةً.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا قَافٌ مَفْتُوحَةٌ وَرَاءٌ مَكْسُورَةٌ وَتَحْتَانِيَّةٌ ثَقِيلَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ بَلَغَ النِّهَايَةَ، وَأَصْلُهُ أَرْضٌ يَسْكُنُهَا الْجِنُّ ضَرَبَ بِهَا الْعَرَبُ الْمَثَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَظِيمٍ، قِيلَ: قَرْيَةٌ يُعْمَلُ فِيهَا الثِّيَابُ الْبَالِغَةُ فِي الْحُسْنِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا فِيهِ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (يَفْرِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: فَرِيَّهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ، وَرُوِيَ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَخَطَّأَهُ الْخَلِيلُ، وَمَعْنَاهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ الْبَالِغَ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُمَرَ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ نُونٌ، هُوَ مُنَاخُ الْإِبِلِ إِذَا شَرِبَتْ ثُمَّ صَدَرَتْ، وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ بِلَفْظِ: حَتَّى رُوِيَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَنْزِعُ اللَّيْلَةَ إِذْ وَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَعُفْرٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي عُمَرَ: فَمَلَأَ الْحِيَاضَ وَأَرْوَى الْوَارِدَةَ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَوَّلْتُ السُّودَ الْعَرَبَ وَالْعُفْرَ الْعَجَمَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ وَهْبٌ) هُوَ ابْنُ جَرِيرٍ شَيْخُ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَلَامُهُ هَذَا مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: يَقُولُ: حَتَّى رُوِيَتِ الْإِبِلُ فَأَنَاخَتْ هُوَ مَقُولُ وَهْبٍ الْمَذْكُورِ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ مَبَاحِثِهِ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَشَارَ بِالْبِئْرِ إِلَى الدِّينِ الَّذِي هُوَ مَنْبَعٌ مَاؤُهُ حَيَاةُ النُّفُوسِ وَتَمَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَالنَّزْعُ مِنْهُ إِخْرَاجُ الْمَاءِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِشَاعَةِ أَمْرِهِ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِهِ. وَقَوْلُهُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ضَعْفَهُ - الْمُرَادَ بِهِ الرِّفْقُ - غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالضَّعْفِ مَا وَقَعَ فِي أَيَّامِهِ مِنْ أَمْرِ الرِّدَّةِ وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ إِلَى أَنِ اجْتَمَعَ ذَلِكَ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ وَتَكَمَّلَ فِي زَمَانِ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِالْقُوَّةِ.

وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا مِنَ السَّمَاءِ دُلِّيَتْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ الْحَدِيثُ، فَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِالنَّزْعِ الضَّعِيفِ وَالنَّزْعِ الْقَوِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الحديث العشرون.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ الْجزَرِيُّ النَّخَّاسُ بِالنُّونِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يَكْتُبْ عَنْهُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ فَرَآهُ يُصَلِّي فَلَمْ تُعْجِبْهُ صَلَاتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا