مِنَ الْقَلْبِ، وَالْأَصْلُ أَعْلَيْهَا أَغَارُ مِنْكَ؟ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ الْحُكْمُ لِكُلِّ رَجُلٍ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ خُلُقِهِ، قَالَ: وَبُكَاءُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُرُورًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَشَوُّقًا أَوْ خُشُوعًا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ عُمَرُ: وَهَلْ رَفَعَنِي اللَّهُ إِلَّا بِكَ؟ وَهَلْ هَدَانِي اللَّهُ إِلَّا بِكَ؟ رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَرْبِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَعْنَى، ذَكَرَهُ مُقْتَصَرًا عَلَى قِصَّةِ رُؤْيَا الْمَرْأَةِ إِلَى جَانِبِ الْقَصْرِ وَزَادَ فِيهِ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا. وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مُرَاعَاةِ الصُّحْبَةِ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ. وَقَوْلُهُ فِيهِ تَتَوَضَّأُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُنْكَرُ كَوْنُهَا تَتَوَضَّأُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الرُّؤْيَا وَقَعَتْ فِي زَمَنِ التَّكْلِيفِ، وَالْجَنَّةُ وَإِنْ كَانَ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا فَذَاكَ فِي زَمَنِ الِاسْتِقْرَارِ بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ خَارِجَةً مِنْهُ، أَوْ هُوَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ. وَرُؤْيَا الْمَنَامِ لَا تُحْمَلُ دَائِمًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، فَيَكُونُ مَعْنَى كَوْنِهَا تَتَوَضَّأُ أَنَّهَا تُحَافِظُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْعِبَادَةِ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: تَتَوَضَّأُ؛ أَيْ: تَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ لِأَجْلِ الْوَضَاءَةِ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَفِيهِ بُعْدٌ.
وَأَغْرَبَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَتَبِعَهُ الْخَطَّابِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: تَتَوَضَّأُ، تَصْحِيفٌ وَتَغْيِيرٌ مِنَ النَّاسِخِ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ امْرَأَةٌ شَوْهَاءُ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا إِلَى اسْتِبْعَادِ أَنْ يَقَعَ فِي الْجَنَّةِ وُضُوءٌ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ فِيهَا، وَعَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُرَادِ مِنَ الْخَبَرِ لَا يَقْتَضِي تَغْلِيطَ الْحُفَّاظِ. ثُمَّ أَخَذَ الْخَطَّابِيُّ فِي نَقْلِ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الشَّوْهَاءِ فَقِيلَ: هِيَ الْحَسْنَاءُ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَسْنَاءَ إِذَا وَصَفْتَ بِهَا الْفَرَسَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَرَسٌ شَوْهَاءُ صِفَةٌ مَحْمُودَةٌ وَالشَّوْهَاءُ الْوَاسِعَةُ الْفَمِ وَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ فِي الْخَيْلِ وَالشَّوْهَاءُ مِنَ النِّسَاءِ الْقَبِيحَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَعَقَّبَ الْقُرْطُبِيُّ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ لَكِنْ نَسَبَهُ إِلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بَدَلَ تَتَوَضَّأُ شَوْهَاءُ، ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ الشَّوْهَاءَ تُطْلَقُ عَلَى الْقَبِيحَةِ وَالْحَسْنَاءِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْوُضُوءُ هُنَا لِطَلَبِ زِيَادَةِ الْحُسْنِ لَا لِلنَّظَافَةِ لِأَنَّ الْجَنَّةَ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَالْأَقْذَارِ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ بَابُ الْوُضُوءِ فِي الْمَنَامِ فَبَطَلَ مَا تَخَيَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الرُّمَيْصَاءِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُوَاظِبَةً عَلَى الْعِبَادَةِ، كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ التِّينِ عَنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ) هُوَ الْأُسَيْدِيُّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَهُ شَيْخٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ يُكَنَّى أَبَا يَعْلَى وَهُوَ بَصْرِيٌّ ; وَأَبُو جَعْفَرٍ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي يَعْلَى وَأَقْدَمُ سَمَاعًا.
قَوْلُهُ: (شَرِبْتُ يَعْنِي اللَّبَنَ) كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي فِي التَّعْبِيرِ عَنْ عَبْدَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ) فِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ حَتَّى أَنِّي وَيَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَةِ أَنِّي وَكَسْرُهَا وَرُؤْيَةُ الرِّيِّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الرِّيَّ جِسْمًا أَضَافَ إِلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْجِسْمِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَرْئِيًّا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنْظُرُ فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَاضٍ اسْتِحْضَارًا لِصُورَةِ الْحَالِ، وَقَوْلُهُ أَنْظُرُ يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ أَرَى فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْعِلْمِ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ لَا مِنَ الْعِلْمِ، وَالرِّيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا.
قَوْلُهُ: (يَجْرِي) أَيِ اللَّبَنُ أَوِ الرِّيُّ وَهُوَ حَالٌ.
قَوْلُهُ: (فِي ظُفْرِي أَوْ أَظْفَارِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ مِنْ أَظْفَارِي وَلَمْ يَشُكَّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الْعِلْمِ لَكِنْ قَالَ: فِي أَظْفَارِي.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ) فِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي يَعْنِي عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الْعِلْمِ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ) أَيْ عَبَّرْتَهُ (قَالَ: الْعِلْمَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَوَّلْتُهُ الْعِلْمَ، وَبِالرَّفْعِ أَيِ الْمُؤَوَّلُ بِهِ هُوَ الْعِلْمُ، وَوَقَعَ فِي جُزْءِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَرَفَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ