ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَقَالُوا: هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي آتَاكَهُ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا امْتَلَأْتَ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ فَأَخَذَهَا عُمَرُ، قَالَ: أَصَبْتُمْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَوَّلَ وَبَعْضُهُمْ سَأَلَ، وَوَجْهُ التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اشْتَرَاكِ اللَّبَنِ وَالْعِلْمِ فِي كَثْرَةِ النَّفْعِ، وَكَوْنِهِمَا سَبَبًا لِلصَّلَاحِ، فَاللَّبَنُ لِلْغِذَاءِ الْبَدَنِيِّ وَالْعِلْمُ لِلْغِذَاءِ الْمَعْنَوِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ عُمَرَ وَأَنَّ الرُّؤْيَا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ لَا تُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْوَحْيِ، لَكِنْ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَمِنْهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْعِلْمُ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاخْتُصَّ عُمَرُ بِذَلِكَ لِطُولِ مُدَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَبِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُثْمَانَ، فَإِنَّ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ قَصِيرَةً فَلَمْ يَكْثُرْ فِيهَا الْفُتُوحُ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي الِاخْتِلَافِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَسَاسَ عُمَرُ فِيهَا - مَعَ طُولِ مُدَّتِهِ - النَّاسَ بِحَيْثُ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ ازْدَادَتِ اتِّسَاعًا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَانْتَشَرَتِ الْأَقْوَالُ وَاخْتَلَفَتِ الْآرَاءُ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مَا اتَّفَقَ لِعُمَرَ مِنْ طَوَاعِيَةِ الْخَلْقِ لَهُ فَنَشَأَتْ مِنْ ثَمَّ الْفِتَنُ، إِلَى أَنْ أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى قَتْلِهِ، وَاسْتُخْلِفَ عَلِيٌّ فَمَا ازْدَادَ الْأَمْرُ إِلَّا اخْتِلَافًا وَالْفِتَنُ إِلَّا انْتِشَارًا.
الحديث الرابع حديث ابن عمر في رؤية النزع من البئر، وقد تقدم قريبا في مناقب أبي بكر.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ) أَيِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الرَّاوِي عَنْهُ، وَهُمَا مَدَنِيَّانِ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَأَمَّا أَبُو سَالِمٍ فَمَعْدُودٌ مِنْ كِبَارِهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَلَيْسَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُ رَاوٍ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُتَابَعَاتِ. وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ.
قَوْلُهُ: (بِدَلْوِ بَكَرَةٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْكَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ تَثْلِيثَ أَوَّلِهِ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نِسْبَةُ الدَّلْوِ إِلَى الْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ الشَّابَّةُ، أَيِ الدَّلْوُ الَّتِي يُسْقَى بِهَا، وَأَمَّا بِالتَّحْرِيكِ فَالْمُرَادُ الْخَشَبَةُ الْمُسْتَدِيرَةُ والَّتِي يُعَلَّقُ فِيهَا الدَّلْوُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ) وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِهِ، وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ قَالَ: الرَّفْرَفُ رِيَاضُ الْجَنَّةِ، وَالْعَبْقَرِيُّ الزَّرَابِيُّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَبَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ هُنَا قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ، وَسيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِتَاقِ الْحِسَانُ، وَالزَّرَابِيُّ جَمْعُ زَرْبِيَّةٍ وَهِيَ الْبِسَاطُ الْعَرِيضُ الْفَاخِرُ، قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: الْعَبْقَرِيُّ: النَّافِذُ الْمَاضِي الَّذِي لَا شَيْءَ يَفُوقُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَعَبْقَرِيُّ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ وَقَيِّمُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَبْقَرِيُّ السَّيِّدُ وَالْفَاخِرُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْجَوْهَرِ وَالْبِسَاطِ الْمَنْقُوشِ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى عَبْقَرٍ مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ، وَقِيلَ: قَرْيَةٌ يُعْمَلُ فِيهَا الثِّيَابُ الْبَالِغَةُ في الْحُسْنِ وَالْبُسُطُ، وَقِيلَ: نِسْبَةً إِلَى أَرْضٍ تَسْكُنُهَا الْجِنُّ، تَضْرِبُ بِهَا الْعَرَبُ الْمَثَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَظِيمٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: فَصَارُوا كُلَّمَا رَأَوْا شَيْئًا غَرِيبًا مِمَّا يَصْعُبُ عَمَلُهُ وَيَدُقُّ أَوْ شَيْئًا عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ نَسَبُوهُ إِلَيْهَا فَقَالُوا: عَبْقَرِيٌّ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَ بِهِ السَّيِّدُ الْكَبِيرُ. ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْمُصَنِّفُ كَعَادَتِهِ فَذَكَرَ مَعْنَى صِفَةِ الزَّرَابِيِّ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾
قَوْلُهُ: (وَقَالَ يَحْيَى) هُوَ ابْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ، وَظَنَّ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ فَجَزَمَ بِذَلِكَ وَاسْتَنَدَ إِلَى كَوْنِ الْحَدِيثِ وَرَدَ مِنْ رِوَايَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ.
قَوْلُهُ: (الطَّنَافِسُ) هِيَ جَمْعُ طُنْفُسَةٍ وَهِيَ الْبِسَاطُ.
قَوْلُهُ: (لَهَا خَمَلٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيْ أَهْدَابٌ، وَقَوْلُهُ