رَقِيقٌ أَيْ غَيْرُ غَلِيظَةٍ.
قَوْلُهُ: (مَبْثُوثَةٌ كَثِيرَةٌ) هُوَ بَقِيَّةُ كَلَامِ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورِ. الحديث الخامس.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ ابْنِ الْخَطَّابِ، وَفِي الْإِسْنَادِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى نَسَقٍ: قَرِينَانِ وَهُمَا صَالِحٌ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَقَرِيبَانِ وَهُمَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَكُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ) هُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَكِنْ قَرِينَةُ قَوْلُهُ: يَسْتَكْثِرْنَهُ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ مِنْهُ أكثر مِمَّا يُعْطِيهِنَّ. وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ الْكَلَامَ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ النَّفَقَةَ.
قَوْلُهُ: (عَالِيَةٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَقَوْلُهُ أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ قَالَ ابْنُ التِّينِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى صَوْتِهِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعَهُنَّ. انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِهِنَّ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَ صَوْتُهَا أَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قِيلَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ جَهِيرَةٌ، أَوِ النَّهْيُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ وَقِيلَ فِي حَقِّهِنَّ لِلتَّنْزِيهِ، أَوْ كُنَّ فِي حَالِ الْمُخَاصَمَةِ فَلَمْ يَتَعَمَّدْنَ، أَوْ وَثِقْنَ بِعَفْوِهِ. وَيُحْتَمَلُ فِي الْخَلْوَةِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ) لَمْ يُرِدْ بِهِ الدُّعَاءَ بِكَثْرَةِ الضَّحِكِ بَلْ لَازِمُهُ وَهُوَ السُّرُورُ، أَوْ نَفْيُ ضد لَازِمِهِ وَهُوَ الْحُزْنُ.
قَوْلُهُ: (أَتَهَبْنَنِي) مِنَ الْهَيْبَةِ أَيْ تُوَقِّرْنَنِي.
قَوْلُهُ: (أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ) بِالْمُعْجَمَتَيْنِ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالْغِلْظَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ، وَيُعَارِضُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَظًّا وَلَا غَلِيظًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُ صِفَةً لَازِمَةً فَلَا يَسْتَلْزِمُ مَا فِي الْحَدِيثِ ذَلِكَ، بَلْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الصِّفَةِ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَفَظَّ هُنَا بِمَعْنَى الْفَظِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّرْجِيحِ الْمُقْتَضِي لِحَمْلِ أَفْعَلَ عَلَى بَابِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ إِلَّا فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَكَانَ عُمَرُ يُبَالِغُ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْمَكْرُوهَاتِ مُطْلَقًا وَطَلَبِ الْمَنْدُوبَاتِ، فَلِهَذَا قَالَ النِّسْوَةُ لَهُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (أَيْهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَيْهًا بِالْفَتْحِ وَالتَّنْوِينِ مَعْنَاهَا لَا تَبْتَدِئْنَا بِحَدِيثٍ، وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ كُفَّ مِنْ حَدِيثٍ عَهِدْنَاهُ، وَإِيهٍ بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ مَعْنَاهَا حَدِّثْنَا مَا شِئْتَ وَبِغَيْرِ التَّنْوِينِ زِدْنَا مِمَّا حَدَّثْتَنَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَقَالَ: مَعْنَاهُ: كُفَّ عَنْ لَوْمِهِنَّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْأَمْرُ بِتَوْقِيرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ تُحْمَدُ الزِّيَادَةُ مِنْهُ، فَكَأَنَّ قَوْلَهُ ﷺ: إِيهْ اسْتِزَادَةٌ مِنْهُ فِي طَلَبِ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِ جَانِبِهِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِلَخْ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَضِيَ مَقَالَتَهُ وَحَمِدَ فِعَالَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَجًّا) أَيْ طَرِيقًا وَاسِعًا، وَقَوْلُهُ قَطُّ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ.
قَوْلُهُ: (إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِعُمَرَ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَ الْعِصْمَةِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا فِرَارُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُ بِحَسَبِ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ قُدْرَتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَ مِنَ السُّلُوكِ فِي طَرِيقٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُلَابِسَهُ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُفِظَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْعِصْمَةِ لَهُ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ النَّبِيِّ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مُمْكِنَةٌ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَلْقَى عُمَرَ مُنْذُ أَسْلَمَ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ، وَاسْتِمْرَارِ حَالِهِ عَلَى الْجِدِّ الصِّرْفِ وَالْحَقِّ الْمَحْضِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرُبُ إِذَا رَآهُ وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ