أَنْ يَكُونَ ذَاكَ عَلَى سَبِيلِ ضَرْبِ الْمَثَلِ، وَأَنَّ عُمَرَ فَارَقَ سَبِيلَ الشَّيْطَانِ وَسَلَكَ طَرِيقَ السَّدَادِ فَخَالَفَ كُلَّ مَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) ابْنُ سَعِيدٍ الّقَطَّانُ، وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَيْسٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ إِسْلَامِ عُمَرَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ) أَيْ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ عِزًّا، وَهِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَإِمَارَتُهُ رَحْمَةً. وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ حَوْلَ الْبَيْتِ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ وَقَدْ وَرَدَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ مُطَوَّلًا فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ - فَذَكَرَ قِصَّةَ دُخُولِ عُمَرَ عَلَى أُخْتِهِ وَإِنْكَارِهِ إِسْلَامَهَا وَإِسْلَامَ زَوْجِهَا سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَقِرَاءَتِهِ سُورَةَ طَهَ وَرَغْبَتَهَ فِي الْإِسْلَامِ - فَخَرَجَ خَبَّابٌ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَرَوَى أَبُو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي آخِرِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ فَخَرَجْنَا فِي صَفَّيْنِ: أَنَا فِي أَحَدِهِمَا، وَحَمْزَةُ فِي الْآخَرِ، فَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَيْنَا فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلُهَا، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ مُطَوَّلًا.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَفْسِهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا فَكَمَّلْتُهُمْ أَرْبَعِينَ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ، وَأَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَرَوَى الْبَزَّارُ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ فِيهِ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وَفِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ لِخَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ بِلَفْظِ أَعِزَّ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ، قَالَ: فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا، وَفِي إِسْنَادِهِ خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَدُوقٌ فِيهِ مَقَالٌ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْقِصَّةِ الْمُطَوَّلَةِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ خَبَّابٍ، وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ إِلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا وَرَوَى الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ فِي السَّنَدِ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ) أَيِ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْفَابِسِيِّ سَعْدٌ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَهُوَ وَهَمٌ. الحديث السابع حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ بِنُونٍ وَفَاءٍ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، وَالْأَكْنَافُ النَّوَاحِي.
قَوْلُهُ: (وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ إِنِّي لَوَاقِفٌ مَعَ قَوْمٍ وَقَدْ وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ أَيْ لَمَّا مَاتَ، وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَرُعْنِي) أَيْ لَمْ يُفْزِعْنِي، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَآهُ بَغْتَةً.
قَوْلُهُ: (إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ) بِوَزْنِ فَاعِلٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَخَذَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي.
قَوْلُهُ: (فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ) تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ: فَقَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (أَحَبُّ) يَجُوزُ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ، وَأَنِّي يَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لِأَحَدٍ عَمَلًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِ عُمَرَ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُسَدَّدٌ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِحَدِيثِ