قَوْلُهُ: (فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا عِنْدَ وَصِيَّةِ عُمَرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَضَرَ بَعْدَ أَنْ مَاتَ وَقَبْلَ أَنْ يَتِمَّ أَمْرُ الشُّورَى، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ الْمُدَايِنِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ بُويِعَ عُثْمَانُ.
قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ) (١) بِالرَّفْعِ فِيهِمَا وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ عَلَيْهِ رَقِيبٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ) أَيْ مُعْتَقَدِهِ، زَادَ الْمُدَايِنِيُّ فِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَعْطِنِي مَوْثِقًا لَتُؤْثِرَنَّ الْحَقَّ وَلَا تَخُصَّنَّ ذَا رَحِمٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ أَنْ تَكُونُوا مَعِيَ عَلَى مَنْ خَالَفَ.
قَوْلُهُ: (فَأُسْكِتَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ كَأَنَّ مُسْكِتًا أَسْكَتَهُمَا، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَهُوَ بِمَعْنَى سَكَتَ، وَالْمُرَادُ بِالشَّيْخَيْنِ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ.
قَوْلُهُ: (فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا) هُوَ عَلِيٌّ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَوَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْقِدَمُ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ، زَادَ الْمُدَايِنِيُّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ صُرِفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْكَ فَلَمْ تَحْضُرْ مَنْ كُنْتَ تَرَى أَحَقَّ بِهَا مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ؟ قَالَ: عُثْمَانَ.
قَوْلُهُ: (مَا قَدْ عَلِمْتَ) صِفَةٌ أَوْ بَدَلٌ عَنِ الْقِدَمِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ) زَادَ الْمُدَايِنِيُّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: عَلِيٌّ. وَزَادَ فِيهِ أَنَّ سَعْدًا أَشَارَ عَلَيْهِ بِعُثْمَانَ، وَأَنَّهُ دَارَ تِلْكَ اللَّيَالِيَ كُلَّهَا عَلَى الصَّحَابَةِ وَمَنْ وَافَى الْمَدِينَةَ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ لَا يَخْلُو بِرَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَّا أَمَرَهُ بِعُثْمَانَ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ قِصَّةَ الشُّورَى فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَسَاقَهَا نَحْوَ هَذَا وَأَتَمَّ مِمَّا هُنَا، وَسَأَذْكُرُ شَرْحَ مَا فِيهَا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي قِصَّةِ عُمَرَ هَذِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ: شَفَقَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَصِيحَتُهُ لَهُمْ، وَإِقَامَتُهُ السُّنَّةَ فِيهِمْ، وَشِدَّةُ خَوْفِهِ مِنْ رَبِّهِ، وَاهْتِمَامُهُ بِأَمْرِ الدِّينِ أَكْثَرَ مِنِ اهْتِمَامِهِ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا كَانَ غُلُوٌّ مُفْرِطٌ أَوْ كَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَنْهَ عُمَرُ الشَّابَّ عَنْ مَدْحِهِ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ أَمَرَهُ بِتَشْمِيرِ إِزَارِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَالِاعْتِنَاءُ بِالدَّفْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَالْمَشُورَةُ فِي نَصْبِ الْإِمَامِ وَتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ، وَأَنَّ الْإِمَامَةَ تَنْعَقِدُ بِالْبَيْعَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ بِالتَّأَمُّلِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يَجْعَلِ الْأَمْرَ شُورَى إِلَى سِتَّةِ أَنْفُسٍ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ عُمَرَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا.
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جَعْلُ عُمَرَ الْخِلَافَةَ فِي سِتَّةٍ وَوَكَلَ ذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَلَمْ يَصْنَعْ مَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ فِي اجْتِهَادِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يَرَى جَوَازَ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ فَصَنِيعُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدَا السِّتَّةِ كَانَ عِنْدَهُ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَفْضَلِيَّةُ بَعْضِ السِّتَّةِ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ فَمَنْ وَلَّاهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ مُمْكِنًا، وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ يَدْخُلُ فِيهِ الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ صَنِيعُ النَّبِيِّ ﷺ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْتِخْلَافِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَصَنِيعُ أَبِي بَكْرٍ حَيْثُ صَرَّحَ، فَتِلْكَ طَرِيقٌ تَجْمَعُ التَّنْصِيصَ وَعَدَمَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْ تَجْمَعُ الِاسْتِخْلَافَ وَتَرْكَ تَعْيِينِ الْخَلِيفَةِ، وَقَدْ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: لَا أَتَقَلَّدُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ مِمَّنْ يَسْتَخْلِفُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ إِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ لَا بِطَرِيقِ التَّفْصِيلِ، فَعَيَّنَهُمْ وَمَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ فِي ذَلِكَ وَالْمُنَاظَرَةِ فِيهِ لِتَقَعَ وِلَايَةُ مَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ عَنِ اتِّفَاقٍ مِنْ مُعْظَمِ الْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ بِبَلَدِهِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْهِجْرَةِ وَبِهَا مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ سَاكِنًا غَيْرَهُمْ فِي بَلَدٍ غَيْرِهَا كَانَ تَبَعًا لَهُمْ فِيمَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ.
(١) الذى تقدم في المتن "والله عليه وكذا الاسلام"