بِهِ الْوَالِي. ثُمَّ قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَرَ بِكُمُ الْإِسْلَامَ، فَاخْتَرْ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَاسْتَحِثَّ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي) فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدًا، وَالزُّبَيْرَ، وَكَانَ طَلْحَةُ غَائِبًا قَالَ: فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرَ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، لَعَلَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَعْلَمُونَ لَكَ حَقَّكَ وَقَرَابَتَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَصِهْرَكَ وَمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ فَإِنْ وُلِّيتَ هَذَا الْأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ فَذَكَرَ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ: فَإِنْ وَلَّوْكَ هَذَا الْأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيهِ وَلَا تَحْمِلَنَّ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثًا، وَلْيَحُلَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي بَيْتٍ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَمَنْ خَالَفَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: إِنْ تُوَلُّوهَا الْأَجْلَحَ يَسْلُكْ بِهِمُ الطَّرِيقَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: مَا يَمْنَعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا.
وَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى فَوَائِدَ عَدِيدَةٍ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: دَخَلَ الرَّهْطُ عَلَى عُمَرَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَ النَّاسِ شِقَاقًا، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ فِيكُمْ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ إِلَيْكُمْ - وَكَانَ طَلْحَةُ يَوْمَئِذٍ غَائِبًا فِي أَمْوَالِهِ - قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَوْمُكُمْ لَا يُؤَمِّرُونَ إِلَّا لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ فَلَا يَحْمِلْ قَرَابَتَهُ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، قُومُوا فَتَشَاوَرُوا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَمْهِلُوا فَإِنْ حَدَثَ لِي حَدَثٌ فَلْيُصَلِّ لَكُمْ صُهَيْبٌ ثَلَاثًا، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.
قَوْلُهُ: (بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ) هُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَقِيلَ: مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَالْأَنْصَارُ سَيَأْتِي ذِكْرُهُمْ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ﴾ أَيْ سَكَنُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَوْلُهُ: (وَالْإِيمَانَ) ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ ضُمِّنَ تَبَوَّءُوا مَعْنَى لَزِمَ أَوْ عَامِلُ نَصْبِهِ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ وَاعْتَقَدُوا، أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ لِشِدَّةِ ثُبُوتِهِ فِي قُلُوبِهِمْ كَأَنَّهُ أَحَاطَ بِهِمْ وَكَأَنَّهُمْ نَزَلُوهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ) أَيْ عَوْنُ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ (وَغَيْظُ الْعَدُوِّ) أَيْ يَغِيظُونَ الْعَدُوَّ بِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ) أَيْ إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمْ، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ) أَيِ الَّتِي لَيْسَتْ بِخِيَارٍ، وَالْمُرَادُ بِذِمَّةِ اللَّهِ: أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِتَالِ مِنْ وَرَائِهِمْ أَيْ إِذَا قَصَدَهُمْ عَدُوٌّ لَهُمْ. وَقَدِ اسْتَوْفَى عُمَرُ فِي وَصِيَّتِهِ جَمِيعَ الطَّوَائِفِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِمَّا مُسْلِمٌ وَإِمَّا كَافِرٌ، فَالْكَافِرُ إِمَّا حَرْبِيٌّ وَلَا يُوصَى بِهِ، وَإِمَّا ذِمِّيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ، وَالْمُسْلِمُ إِمَّا مُهَاجِرِيٌّ وَإِمَّا أَنْصَارِيٌّ أَوْ غَيْرُهُمَا، وَكُلُّهُمْ إِمَّا بَدَوِيٌّ وَإِمَّا حَضَرِيٌّ، وَقَدْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُدَايِنِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَأَحْسِنُوا مُؤَازَرَةَ مَنْ يَلِي أَمْرَكُمْ وَأَعِينُوهُ وَأَدُّوا إِلَيْهِ الْأَمَانَةَ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ) أَيْ مِنَ الْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقْنَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَانْقَلَبْنَا أَيْ رَجَعْنَا.
قَوْلُهُ: (فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ) اخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْقُبُورِ الْمُكَرَّمَةِ الثَّلَاثَةِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَرَاءَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَبْرَ عُمَرَ وَرَاءَ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ. وَقِيلَ: إِنَّ قَبْرَهُ ﷺ مُقَدَّمٌ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ. وَقَبْرَ عُمَرَ حِذَاءَ مَنْكِبَيْ أَبِي بَكْرٍ. وَقِيلَ: قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَبْرُ عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. وَقِيلَ: قَبْرُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَبْرُ عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيْ أَبِي بَكْرٍ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَذِكْرُ أَدِلَّتِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) هُوَ ابْنُ عَوْفٍ.
قَوْلُهُ: (اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ) أَيْ فِي الِاخْتِيَارِ لِيَقِلَّ الِاخْتِلَافُ، كَذَا قَالَ ابْنُ التِّينِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَصَرَّحَ الْمُدَايِنِيُّ فِي رِوَايَتِهِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ.