عُمَرُ: أَلْصِقْ خَدِّي بِالْأَرْضِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَضَعْتُهُ مِنْ فَخِذِي عَلَى سَاقِي، فَقَالَ: أَلْصِقْ خَدِّي بِالْأَرْضِ، فَوَضَعْتُهُ حَتَّى وَضَعَ لِحْيَتَهُ وَخَدَّهُ بِالْأَرْضِ، فَقَالَ: وَيْلَكَ عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكَ.
قَوْلُهُ: (مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ) وَقَوْلُهُ: (إِذَا مُتُّ فَاسْتَأْذِنْ) (١) ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَخْشَى أَنْ تَكُونَ أَذِنَتْ فِي حَيَاتِهِ حَيَاءً مِنْهُ وَأَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَأَرَادَ أَنْ لَا يُكْرِهَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ) أَيْ بِنْتُ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ) أَيْ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ فَمَكَثَتْ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَكَتْ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَا صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا صَبْرَ لِي عَلَى مَا أَسْمَعُ، أُحَرِّجُ عَلَيْكِ بِمَا لِيَ عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَنْدُبِينَنِي بَعْدَ مَجْلِسِكِ هَذَا، فَأَمَّا عَيْنَيْكِ فَلَنْ أَمْلِكَهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَوَلَجْتُ دَاخِلًا لَهُمْ) أَيْ مَدْخَلًا كَانَ فِي الدَّارِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ) سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَرَوَى ابْنُ شَبَّةَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَنَّ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ لِعُمَرَ حِينَ وَقَفَ لَمْ يُوَلِّ أَحَدًا بَعْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطْعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَنَ: إِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي.
قَوْلُهُ: (فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ إِلَخْ) وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَفِيهِ قُلْتُ لِسَالِمٍ: أَبَدَأُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَبْلَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الرُّوَاةَ تَصَرَّفُوا لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ، وَاقْتِصَارُ عُمَرَ عَلَى السِّتَّةِ مِنَ الْعَشَرَةِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَمَّا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُمَرَ فَلَمْ يُسَمِّهِ عُمَرُ فِيهِمْ مُبَالَغَةً فِي التَّبَرِّي مِنَ الْأَمْرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْمُدَايِنِيِّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ عُمَرَ عَدَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ فِيمَنْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُدَايِنِيُّ بِأَسَانِيدِهِ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَرَبَ لِي فِي أُمُورِكُمْ فَأَرْغَبَ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِي.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُدَايِنِيِّ بِأَسَانِيدِهِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اسْتَخْلِفْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ اللَّهَ بِهَذَا، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِهَذَا، أَسْتَخْلِفُ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ.
قَوْلُهُ: (كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ) أَيْ لِابْنِ عُمَرَ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى فِي الْخِلَافَةِ أَرَادَ جَبْرَ خَاطِرِهِ بِأَنْ جَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْمُشَاوَرَةِ فِي ذَلِكَ. وَزَعَمَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي لَا مِنْ كَلَامِ عُمَرَ، فَلَمْ أَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ تَهَيَّأَ لَهُ الْجَزْمُ بِذَلِكَ مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَذَكَرَ الْمُدَايِنِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُمْ: إِذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ عَلَى رَأْيٍ، وثلاثة على رأي، فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَوْا بِحُكْمِهِ فَقَدِّمُوا مَنْ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمْرَةُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: الْإِمَارَةُ، (سَعْدًا) يَعْنِي ابْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَادَ الْمُدَايِنِيُّ: وَمَا أَظُنُّ أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا عَلِيٌّ، أَوْ عُثْمَانُ، فَإِنْ وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَجُلٌ فِيهِ لِينٌ، وَإِنْ وَلِيَ عَلِيٌّ فَسَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَإِنْ وَلِيَ سَعْدٌ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ
(١) في هامش طبعة بولاق" هكذا في نسخ الصرح، ولعله رواية له". والذى تقدم في المتن" فاذا أنا قضيت فاحملونى، ثم سلم: يستاذن عمر"