للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرْبَعِ أَنَّهَا نَبِيَّةٌ إِلَّا مَرْيَمُ.

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ثُمَّ فَاطِمَةُ ثُمَّ خَدِيجَةُ ثُمَّ آسِيَةُ. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ: إِنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ أَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ بِأَنَّ مِنْ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ فَهِيَ مُرَادَةٌ. قُلْتُ: الْحَدِيثُ الثَّانِي الدَّالُّ عَلَى التَّرْتِيبِ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالْحَاكِمِ بِغَيْرِ صِيغَةِ تَرْتِيبٍ، وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ لِتَسْوِيَتِهَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِخَدِيجَةَ، وَلَيْسَتْ خَدِيجَةُ بِنَبِيَّةٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّسْوِيَةِ فِي الْخَيْرِيَّةِ التَّسْوِيَةُ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قِيلَ فِي مَرْيَمَ فِي تَرْجَمَتِهَا مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَلَعَلَّ اللَّيْثَ لَقِيَ هِشَامًا بَعْدَ أَنْ كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ فَحَدَّثَهُ بِهِ، أَوْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ إِطْلَاقُ حَدَّثَنَا فِي الْكِتَابَةِ، وَقَدْ نَقَلَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ فِيهِ ثُبُوتُ الْغَيْرَةِ وَأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وُقُوعُهَا مِنْ فَاضِلَاتِ النِّسَاءِ فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهُنَّ، وَأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَغَارُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ لَكِنْ كَانَتْ تَغَارُ مِنْ خَدِيجَةَ أَكْثَرَ، وَقَدْ بَيَّنَتْ سَبَبَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ النَّبِيِّ إِيَّاهَا، وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ بِأَبْيَنَ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ فِيهَا: مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهَا وَأَصْلُ غَيْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ تُخَيَّلِ مَحَبَّةِ غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَكَثْرَةُ الذِّكْرِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَحَبَّةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مُرَادُهَا بِالذِّكْرِ لَهَا مَدْحُهَا وَالثَّنَاءُ عَلَيْهَا.

قُلْتُ: وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ هِشَامٍ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا فَعَطْفُ الثَّنَاءِ عَلَى الذِّكْرِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَهُوَ يَقْتَضِي حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى أَعَمَّ مِمَّا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

قَوْلُهُ: (هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي) ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ قَدْرَ الْمُدَّةِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ، وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهَا لَكَانَتْ غَيْرَتُهَا مِنْهَا أَشَدَّ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا إِلَخْ) سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ هَذَا، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ خَدِيجَةَ بِهَذِهِ الْبُشْرَى مُشْعِرٌ بِمَزِيدِ مَحَبَّةٍ مِنَ النَّبِيِّ فِيهَا. وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِلَفْظِ مَا حُسِدَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ مَا حُسِدَتْ خَدِيجَةُ حِينَ بَشَّرَهَا النَّبِيُّ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ الْحَدِيثُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ إِلَخْ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَيُرَادُ بِهَا تَأْكِيدُ الْكَلَامِ، وَلِهَذَا أَتَتْ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهَا لَيَذْبَحُ.

قَوْلُهُ: (فِي خَلَائِلِهَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَلِيلَةٍ أَيْ صَدِيقَةٌ، وَهِيَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِاسْتِمْرَارِ حُبِّهِ لَهَا حَتَّى كَانَ يَتَعَاهَدُ صَوَاحِبَاتِهَا.

قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الشَّاةِ.

قَوْلُهُ: (مَا يَسَعُهُنَّ) أَيْ مَا يَكْفِيهِنَّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْحَمَوِيِّ مَا يَتَّسِعُهُنَّ أَيْ يَتَّسِعُ لَهُنَّ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ يُشْبِعُهُنَّ مِنَ الشِّبَعِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ مَا.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الرُّؤَاسِيُّ بِضَمِّ الرَّاءِ وَعَلَى الْوَاوِ هَمْز وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُهْمَلَةٌ. ثِقَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرُ فِي الْحُدُودِ.

قَوْلُهُ: (وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَرَادَتْ بِذَلِكَ زَمَنَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَقْدُ فَتَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ بِمُدَّةِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَذَا قَالَ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ تَزْوِيجِ عَائِشَةَ مَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَالدُّخُولِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَهُ رَبُّهُ ﷿ أَوْ جِبْرِيلُ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْبِشَارَةَ بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَانَتْ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ .

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبِي) هُوَ الْأَسَدِيُّ الَّذِي يُعْرَفُ بِالتَّلِّ بِالْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَاسْمُ وَالِدِ الْحَسَنِ، الزُّبَيْرُ، وَعُمَرُ كُوفِيٌّ