للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرُ فِي الزَّكَاةِ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِهِ. وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ دَرَجَةً، فَإِنَّهُ يَرْوِي الْكَثِيرَ عَنْ وَلَدِهِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ حَفْصٍ، وَهُنَا لَمْ يَصِلْ لِحَفْصٍ إِلَّا بِاثْنَيْنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ دَرَجَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَأَخْرَجَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْهُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي ذَرٍّ، وَالسَّبَبُ فِي اخْتِيَارِهِ إِيرَادَ هَذِهِ الطَّرِيقَ النَّازِلَةَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا رَأَيْتُهَا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ أُدْرِكْهَا وَلَمْ أَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إِلَّا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، نَعَمْ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ وَرُؤْيَةُ عَائِشَةَ لِخَدِيجَةَ كَانَتْ مُمْكِنَةً، وَأَمَّا إِدْرَاكُهَا لَهَا فَلَا نِزَاعَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا عِنْدَ مَوْتِهَا سِتُّ سِنِينَ، كَأَنَّهَا أَرَادَتْ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَالْإِدْرَاكِ النَّفْيَ بِقَيْدِ اجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ النَّبِيِّ أَيْ لَمْ أَرَهَا وَأَنَا عِنْدَهُ وَلَا أَدْرَكْتُهَا كَذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَسْأَمْ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا.

قَوْلُهُ: (فَرُبَّمَا قُلْتُ إِلَخْ) هَذَا كُلُّهُ زَائِدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِدُونِهَا.

قَوْلُهُ: (كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَأَنْ لَمْ بِحَذْفِ الْهَاءِ مِنْ كَأَنَّهُ.

قَوْلُهُ: (إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ) أَيْ كَانَتْ فَاضِلَةً وَكَانَتْ عَاقِلَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ) وَكَانَ جَمِيعُ أَوْلَادِ النَّبِيِّ مِنْ خَدِيجَةَ، إِلَّا إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ، وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ أَوْلَادِهِ مِنْهَا الْقَاسِمُ وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَبَنَاتُهُ الْأَرْبَعُ: زَيْنَبُ ثُمَّ رُقْيَةُ ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ ثُمَّ فَاطِمَةُ، وَقِيلَ: كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ أَصْغَرَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الطَّاهِرُ، وَالطَّيِّبُ، وَيُقَالُ: هُمَا أَخَوَانِ لَهُ، وَمَاتَتِ الذُّكُورُ صِغَارًا بِاتِّفَاقٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ هَذِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةُ، فَقَالَ: إِنِّي رُزِقْتُ حُبَّهَا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَانَ حُبُّهُ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، كُلٌّ مِنْهَا كَانَ سَبَبًا فِي إِيجَادِ الْمَحَبَّةِ. وَمِمَّا كَافَأَ النَّبِيُّ بِهِ خَدِيجَةَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فِي حَيَاتِهَا غَيْرَهَا، فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَهُ وَعَلَى مَزِيدِ فَضْلِهَا؛ لِأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرِهَا وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرُهَا مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ عَامًا انْفَرَدَتْ خَدِيجَةُ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا وَهِيَ نَحْوَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الْمَجْمُوعِ، وَمَعَ طُولِ الْمُدَّةِ فَصَانَ قَلْبَهَا مِنَ الْغَيْرَةِ وَمِنْ نَكَدِ الضَّرَائِرِ الَّذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهِيَ فَضِيلَةٌ لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا. وَمِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ سَبْقُهَا نِسَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى الْإِيمَانِ، فَسَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدَهَا، فَيَكُونُ لَهَا مِثْلُ أَجْرِهِنَّ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً وَقَدْ شَارَكَهَا فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الثَّوَابِ بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ ﷿.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ، وَحِفْظِ الْوُدِّ، وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْمُعَاشِرِ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِكْرَامِ مَعَارِفِ ذَلِكَ