للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَمْ يَبْلُغْهَا أَمْرُ الشَّارِعِ بِالْقِيَامِ لَهَا، فَرَأَتْ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِمُخَالَفَتِهِمْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْجَنَائِزِ بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهَلْ نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نُسِخَ هَلْ نُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ أَمْ لَا؟ أَوْ مُطْلَقُ الْجَوَازِ؟ وَاخْتَارَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْأَخِيرَ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ على الْكَرَاهَةَ، وَادَّعَى فيه الْمَحَامِلِيُّ الِاتِّفَاقَ، وَخَالَفَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي اسْتَدْرَكَتْهَا عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ لَكِنْ كَانَ جَانِبُهُمْ فِيهَا أَرْجَحَ.

قَوْلُهُ: (كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ مَرَّتَيْنِ) أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَبَعْضُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: كُنْتِ فِي أَهْلِكِ الَّذِي كُنْتِ فِيهِ أَيِ الَّذِي أَنْتِ فِيهِ الْآنَ كُنْتِ فِي الْحَيَاةِ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ بَلْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَتْ تَطِيرُ طَيْرًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ كَانَ رُوحُهُ مِنْ صَالِحِي الطَّيْرِ وَإِلَّا فَبِالْعَكْسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ هَذَا دُعَاءً لِلْمَيِّتِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَا نَافِيَةً وَلَفْظُ مَرَّتَيْنِ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ أَيْ لَا تَكُونِي فِي أَهْلِكِ مَرَّتَيْنِ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي كُنْتِ فِيهِمُ انْقَضَتْ وَلَسَتْ بِعَائِدَةٍ إِلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً أَيْ كُنْتِ فِي أَهْلِكِ شَرِيفَةً فَأَيُّ شَيْءٍ أَنْتِ الْآنَ؟ يَقُولُونَ ذَلِكَ حُزْنًا وَتَأَسُّفًا عَلَيْهِ.

الثَّامِنُ: حَدِيثُ عُمَرَ فِي قَوْلِهِمْ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مُسْتَوْفًى، وَقَوْلُهُ: حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ قَالَ ابْنُ التِّينِ: ضُبِطَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ، وَالْمَعْرُوفُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهَا.

التَّاسِعُ: قَوْلُهُ: (حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ) هُوَ الْبَجَلِيُّ يُكَنَّى أَبَا كُدَيْنَةَ بِالتَّصْغِيرِ وَالنُّونِ، وَهُوَ كُوفِيٌّ مُوَثَّقٌ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ.

قَوْلُهُ: (مَلْأَى مُتَتَابِعَةً) كَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا قَوْلَانِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ تَقُولُ: أَدْهَقْتَ الْكَأْسَ إِذَا مَلَأْتَهَا، وَأَدْهَقْتَ لَهُ إِذَا تَابَعْتَ لَهُ السَّقْيَ، وَقِيلَ: أَصْلُ الدَّهَقِ الضَّغْطُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَلَأَ الْيَدَ بِالْكَأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا مُتَّسَعٌ لِغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) الْقَائِلُ هُوَ عِكْرِمَةُ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبِي) هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ وَقَعَ سَمَاعِي لِذَلِكَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا جَاهِلِيَّةٌ نِسْبِيَّةٌ لَا الْمُطْلَقَةُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُدْرِكْ مَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، بَلْ لَمْ يُولَدْ إِلَّا بَعْدَ الْبَعْثِ بِنَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَبَّاسَ يَقُولُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.

قَوْلُهُ: (اسْقِنَا كَأْسًا دِهَاقًا) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لِغُلَامِهِ: ادْهَقْ لَنَا، أَيِ امْلَأْ لَنَا، أَوْ تَابِعْ لَنَا انْتَهَى. وَهُوَ بِمَعْنَى مَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ) هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، وَلِأَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْكَلِمَةِ الْبَيْتَ الَّذِي ذَكَرَ شَطْرَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَزَائِدَةَ فَرَّقَهُمَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِلَفْظِ: إِنَّ أَصْدَقَ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ إِنَّ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِلَفْظِ أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ فَلَوْلَا أَنَّ فِي حِفْظِ شَرِيكٍ مَقَالًا لَرَفَعَ هَذَا اللَّفْظُ الْإِشْكَالَ الَّذِي أَبَدَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَلَى لَفْظِ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ بِلَفْظِ أَصْدَقُ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ لَفْظِ أَشْعَرُ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ، نَعَمْ، السُّؤَالُ بَاقٍ فِي التَّعْبِيرِ بِوَصْفِ كُلِّ شَيْءٍ بِالْبُطْلَانِ مَعَ انْدِرَاجِ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ حَقٌّ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ بِاللَّيْلِ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكُ الْحَقُّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ إِلَخْ.

وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: مَا عَدَا اللَّهَ؛ أَيْ: مَا عَدَاهُ وَعَدَا صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةَ