للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَبِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ قَالَ: فَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا اهـ.

وَكَلَامُ الشَّافِعِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ مَسْأَلَةَ النَّذْرِ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ النَّذْرِ أَنَّ فِي تَفْسِيرِ أَبِي نَصْرٍ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ الْقَفَّالِ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْآدَمِيِّينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِنَا، كَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَذْرُ الصَّمْتِ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ لَا فِي شَرِيعَتِنَا، ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ مَرْيَمَ عِنْدَ قَوْلِهَا: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ وَفِي التَّتِمَّةِ لِأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي: مَنْ قَالَ: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا؛ جَعَلَ ذَلِكَ قُرْبَةً. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي التَّنْبِيهِ: وَيُكْرَهُ لَهُ صَمْتُ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: إِذْ لَمْ يُؤْثَرْ ذَلِكَ بَلْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ النَّهْيُ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ وَرَدَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلنَا، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ شَرْعٌ لَنَا؛ لَمْ يُكْرَهْ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا صَمْتُ الصَّائِمِ تَسْبِيحٌ، قَالَ: فَإِنْ صَرح دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّمْتِ، وَإِلَّا فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْكَرَاهَةُ. قَالَ: وَحَيْثُ قُلْنَا: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، فَذَاكَ إِذَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي إِسْنَادِهِ الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ وَهُوَ سَاقِطٌ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمَا أَفَادَ الْمَقْصُودَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ: صَمْتُ الصَّائِمِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ، وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ فَالْحَدِيثُ مُسَاقٌ فِي أَنَّ أَفْعَالَ الصَّائِمِ كُلَّهَا مَحْبُوبَةٌ، لَا أَنَّ الصَّمْتَ بِخُصُوصِهِ مَطْلُوبٌ.

وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ فِي آخِرِ الصِّيَامِ: فَرْعٌ: جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِي رَمَضَانَ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي شَرْعِنَا بَلْ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، فَيَخْرُجُ جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى. وَلْيُتَعَجَّبْ مِمَّنْ نَسَبَ تَخْرِيجَ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ إِلَى نَفْسِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الصَّمْتِ وَفَضْلِهِ كَحَدِيثِ: مَنْ صَمَتَ نَجَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَدِيثِ: أَيْسَرُ الْعِبَادَةِ الصَّمْتُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ مُرْسَلٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُعَارِضُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ فِي ذَلِكَ، فَالصَّمْتُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ تَرْكُ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ، وَكَذَا الْمُبَاحُ إِنْ جَرَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالصَّمْتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَرْكُ الْكَلَامِ فِي الْحَقِّ لِمَنْ يَسْتَطِيعُهُ، وَكَذَا الْمُبَاحُ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إِنَّكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ.

قَوْلُهُ: (لَسَئُولٌ) أَيْ كَثِيرَةُ السُّؤَالِ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.

قَوْلُهُ: (مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ) أَيْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدْلِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ.

قَوْلُهُ: (أَئِمَّتُكُمْ) أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ، فَمَنْ حَادَ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنِ الْحَالِ مَالَ وَأَمَالَ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ، لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا، وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي طَرِيقٍ لَهُ أَنَّهَا كَانَتْ بِمَكَّةَ وَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ لَهَا ذَلِكَ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ هُوَ الْبَيْتُ الضَّيِّقُ الصَّغِيرُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحِفْشُ هُوَ الدَّرَجُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الضِّيقِ.

قَوْلُهُ: (وَازَتْ) أَيْ قَابَلَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَوَجْهُ دُخُولِهَا هُنَا مِنْ جِهَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْجَفَاءِ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ.

السَّادِسُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.

السَّابِعُ: قَوْلُهُ: (إَنَّ الْقَاسِمَ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقُومُ لَهَا) أَيِ الْجِنَازَةُ.

قَوْلُهُ: (كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ