صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ الْآيَةَ [٢٨ غافر] تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ"
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ)، أَيْ: مِنْ وَجْهِ الْأَذَى، وَذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ … فَذَكَرَ قِصَّتَهُ بِالطَّائِفِ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَأُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: مَا أُوذِيَ أَحَدٌ مَا أُوذِيتُ. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَيُوسُفُ ضَعِيفٌ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِمَا جَاءَ مِنْ صِفَاتِ مَا أُوذِيَ بِهِ الصَّحَابَةُ كَمَا سَيَأْتِي لَوْ ثَبَتَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ مَا أُوذِيَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُ فَتَأَذَّى بِذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى مَا آذَاهُ قَوْمُهُ بِهِ.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ الصَّحَابَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ حَتَّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضَّرِّ، حَتَّى يَقُولُوا لَهُ: اللَّاتُ وَالْعُزَّى إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ. فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَأَوْقَفُوهُمْ فِي الشَّمْسِ الْحَدِيثَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا أُوذِيَ بِهِ أَصْحَابُهُ كَانَ يَتَأَذَّى هُوَ بِهِ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ، وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا بِمَا أُوذِيَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْقَتْلِ كَمَا فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا وَوَلَدِهِ يَحْيَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا غَيْرُ إِزْهَاقِ الرُّوحِ. ثَمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا بَيَانٌ) هُوَ ابْنُ بِشْرٍ، وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَيْسٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَخَبَّابٌ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى ثَقِيلَةٌ.
قَوْلُهُ: (بُرْدَةٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّنْوِينِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْهَاءِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ بُرْدَةٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا) زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمَبْعَثِ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا.
قَوْلُهُ: (فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ) أَيْ مِنْ أَثَرِ النَّوْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغَضَبِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ التِّينِ.
قَوْلُهُ: (لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ). كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: أَمْشَاطُ هُوَ جَمْعُ مِشْطٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِضَمِّهَا، يُقَالُ: مِشَاطٌ وَأَمْشَاطٌ كَرِمَاحٍ وَأَرْمَاحٍ، وَأَنْكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْكَسْرَ فِي الْمُفْرَدِ، وَالْأَشْهَرُ فِي الْجَمْعِ مِشَاطٌ وَرِمَاحٌ.
قَوْلُهُ: (مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ) فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ. قَوْلُهُ (وَيُوضَعُ الْمِيشَارُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بِهَمْزٍ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ، تَقُولُ: وَشَرْتُ الْخَشَبَةَ وَأَشَرْتُهَا، وَيُقَالُ فِيهِ بِالنُّونِ، وَهِيَ أَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute