للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فُعِلَ بِهِمْ ذَلِكَ أَنْبِيَاءَ أَوْ أَتْبَاعَهُمْ، قَالَ: وَكَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ لَوْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَصَبَرَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا زَالَ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ يُؤْذَوْنَ فِي اللَّهِ، وَلَوْ أَخَذُوا بِالرُّخْصَةِ لَسَاغَ لَهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ) بِالنَّصْبِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ بِالرَّفْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْإِسْلَامُ.

قَوْلُهُ: (زَادَ بَيَانٌ: وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ إِدْرَاجًا، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَحْدَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ وَخَلَّادِ بْنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ كُلِّهِمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ مُدْرَجًا، وَطَرِيقُ الْحُمَيْدِيِّ أَصَحُّ، وَقَدْ وَافَقَهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ مُفَصَّلًا أَيْضًا.

(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ: وَالذِّئْبَ، هُوَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا الْمُسْتَثْنَى، كَذَا جَزَمَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا يَخَافُ إِلَّا الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ؛ لِأَنَّ مَسَاقَ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِلْأَمْنِ مِنْ عُدْوَانِ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، اللأمن مِنْ عُدْوَانِ الذِّئْبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَرَأَ النَّبِيُّ النَّجْمَ فَسَجَدَ. سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي بَقِيَّتُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ تَسْمِيَةُ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْمَبْعَثِ.

(تَنْبِيهٌ): كَانَ حَقُّ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يُذْكَرَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ قَلِيلٍ، فَسَيَأْتِي فِيهَا أَنَّ سُجُودَ الْمُشْرِكِينَ الْمَذْكُورَ فِيهِ كَانَ سَبَبُ رُجُوعِ مَنْ هَاجَرَ الْهِجْرَةَ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ لِظَنِّهِمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كُلَّهُمْ أَسْلَمُوا، فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

حَدِيثُهُ فِي قِصَّةِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَإِلْقَائِهِ سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوُضُوءِ.

(تَنْبِيهٌ): كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ عُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَاسْتَمَرَّ عُمَارَةُ بِالْحَبَشَةِ إِلَى أَنْ مَاتَ.

(تَنْبِيهٌ آخَرُ): أَغْرَبَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ، فَزَعَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَنْ خَبَّابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا، طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ شَكَوْا مَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ بِحَرِّ الرَّمْضَاءِ وَغَيْرِهِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يُشْكِهِمْ، أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَاهُمْ، وَعَدَلَ إِلَى تَسْلِيَتِهِمْ بِمَنْ مَضَى مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَلَكِنْ وَعَدَهُمْ بِالنَّصْرِ. انْتَهَى.

وَيُبْعِدُ هَذَا الْحَمْلَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ الصَّلَاةُ فِي الرَّمْضَاءِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَعْنِي الظُّهْرَ، وَقَالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا. وَبِهَذَا تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ وَرَدَ فِي تَعْجِيلِ الظُّهْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْرَادِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ آخَرُ): عَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَزْمًا، وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ الدَّاوُدِيَّ قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَكْثَرِ إِنَّمَا يُطْلِقُونَ عَبْدَ اللَّهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مُطَّرِدًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الْخَطِيبُ كِتَابًا حَافِلًا سَمَّاهُ الْمُجْمَلُ لِبَيَانِ الْمُهْمَلِ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا ابْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ الدَّاوُدِيَّ قَالَ: لَعَلَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَا ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ،