قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ مَا نَسَبَهُ إِلَى الدَّاوُدِيِّ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ صُنْعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ وَتَعْذِيبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ.
(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ هُنَا: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. كَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ، وَالَّذِي فِي التِّلَاوَةِ: ﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ هَكَذَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: ٦٨، وَهِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا الْمُرَادُ فِي أَوَّلِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) عَيَّاشٌ شَيْخُهُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ هُوَ الرَّقَّامُ، وَلَهُ شَيْخٌ آخَرُ لَا يَنْسُبُهُ فِي غَالِبِ مَا يُخَرِّجُ عَنْهُ، قَالَ الْجَيَّانِيُّ: وَقَعَ هُنَا عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ غَيْرَ مُقَيَّدٍ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مِرْبَدٍ، وَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي زُفَرَ (١) أَنَّ الْبُخَارِيَّ، وَمُسْلِمًا مَا أَخْرَجَا لِابْنِ مِرْبَدٍ شَيْئًا، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ الْآتِيَةِ فِي تَفْسِيرِ غَافِرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عُرْوَةُ) كَذَا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَخَالَفَهُ أَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ فَقَالَ: عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَقَوْلُ الْوَلِيدِ أَرْجَحُ.
قَوْلُهُ: (سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرٍو) فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
قَوْلُهُ: (بِأَشَدَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ … إِلَخْ) هَذَا الَّذِي أَجَابَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ لَهَا: وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ … فَذَكَرَ قِصَّتَهُ بِالطَّائِفِ مَعَ ثَقِيفٍ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو اسْتَنَدَ إِلَى مَا رَوَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لِلْقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِالطَّائِفِ. وَقَدْ رَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ قَالَ: أَكْثَرُ مَا نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: وَذَرَفَتْ عَيْنَا عُثْمَانَ فَذَكَرَ قِصَّةً يُخَالِفُ سِيَاقُهَا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا، فَهَذَا الِاخْتِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى عُرْوَةَ فِي السَّنَدِ، لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِمَا سَأُبَيِّنُهُ.
قَوْلُهُ: (يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ) فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَدُهُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي الْحِجْرِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَسْمَعُوهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّوْطِ الرَّابِعِ نَاهَضُوهُ، وَأَرَادَ أَبُو جَهْلٍ أَنْ يَأْخُذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ فَدَفَعْتُهُ، وَدَفَعَ أَبُو بَكْرٍ، أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُقْبَةَ، فَهَذَا السِّيَاقُ مُغَايِرٌ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ؟ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُمْ: أَمَا وَاللَّهِ لَا تَنْتَهُونَ حَتَّى يَحِلَّ بِكُمُ الْعِقَابُ عَاجِلًا، فَأَخَذَتْهُمُ الرِّعْدَةُ الْحَدِيثَ، وَهَذَا يُقَوِّي التَّعَدُّدَ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ) قَالَ: (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهَذَا السَّنَدِ، وَفِي أَوَّلِ سِيَاقِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ فِي الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ صَبْرِنَا عَلَيْهِ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَغَيَّرَ
(١) في هامش طبعة بولاق: في نسخة "عن أبي ذر"