للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَوَاقِعِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يَسْأَلُهُ، وَهَذَا الْأَخِيرُ يُسَمَّى الْعَرَّافُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَتَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْهُ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ. وَلَقَدْ تَلَطَّفَ سَوَادٌ فِي الْجَوَابِ إِذْ كَانَ سُؤَالُ عُمَرَ عَنْ حَالِهِ فِي كِهَانَتِهِ إِذْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الشِّرْكِ، فَلَمَّا أَلْزَمَهُ أَخْبَرَهُ بِآخِرِ شَيْءٍ وَقَعَ لَهُ لِمَا تَضَمَّنَ مِنَ الْإِعْلَامِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (مَا أَعْجَبُ) بِالضَّمِّ، وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (جِنِّيَّتُكَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ، أَيِ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْجِنِّ كَأَنَّهُ أَنَّثَ تَحْقِيرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ أَنَّ تَابِعَ سَوَادٍ مِنْهُمْ كَانَ أُنْثَى، أَوْ هُوَ كَمَا يُقَالُ: تَابِعُ الذَّكَرِ يَكُونُ أُنْثَى وَبِالْعَكْسِ.

قَوْلُهُ: (أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالزَّايِ أَيِ الْخَوْفُ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنٍ كَعْبٍ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهُوَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ.

قَوْلُهُ: (أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَأْسُ ضِدَّ الرَّجَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِإِعْرَابِ بَقِيَّةِ الشِّعْرِ، وَمِثْلُهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ لَكِنْ قَالَ: وَتَحْسَاسُهَا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَبِمُهْمَلَاتٍ، أَيْ أَنَّهَا فَقَدَتْ أَمْرًا فَشَرَعَتْ تُفَتِّشُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَيَأْسُهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا) الْيَأْسُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ: ضِدُّ الرَّجَاءِ، وَالْإِنْكَاسُ: الِانْقِلَابُ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا يَئِسَتْ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ قَدْ أَلِفَتْهُ، فَانْقَلَبَتْ عَنِ الِاسْتِرَاقِ قَدْ يَئِسَتْ مِنَ السَّمْعِ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الدَّاوُدِيِّ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْكَافِ، وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي أَلِفَتْهُ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ: مِنْ بَعْدِ إِينَاسِهَا أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ أَنِسَتْ بِالِاسْتِرَاقِ، وَلَمْ أَرَ مَا قَالَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، وَقَدْ شَرَحَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ وَقَالَ: الْإِنْسَاكُ جَمْعُ نُسُكٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَةُ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَسِيمَ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ. وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَكَذَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَحْلَاسِهَا:

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى … مَا مُؤْمِنُوهَا مِثْلَ أَرْجَاسِهَا

فَاسْمُ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمِ … وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَاسِهَا

وَفِي رِوَايَتِهِمْ أَنَّ الْجِنِّيَّ عَاوَدَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَنْشُدُهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ مَعَ تَغْيِيرِ قَوَافِيهَا، فَجَعَلَ بَدَلَ قَوْلِهِ: إِبْلَاسِهَا تَطْلَابُهَا أَوَّلُهُ مُثَنَّاةٌ، وَتَارَةً تَجْآرُهَا بِجِيمٍ وَهَمْزَةٍ، وَبَدَلَ قَوْلِهِ أَحْلَاسُهَا أَقْتَابُهَا بِقَافٍ وَمُثَنَّاةٍ جَمْعُ قَتَبٍ، وَتَارَةً أَكْوَارُهَا وَبَدَلَ قَوْلِهِ: مَا مُؤْمِنُوهَا مِثْلَ أَرْجَاسِهَا لَيْسَ قُدَّامَاهَا كَأَذْنَابِهَا وَتَارَةً لَيْسَ ذَوُو الشَّرِّ كَأَخْيَارِهَا، وَبَدَلَ قَوْلِهِ: رَأْسُهَا نَابُهَا، وَتَارَةً قَالَ: مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كُفَّارِهَا. وَعِنْدَهُمْ مِنَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا أَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَقُولُ لَهُ: قَدْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ، فَانْهَضْ إِلَيْهِ تَرْشُدُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُرْسَلَةِ قَالَ: فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي حَتَّى وَقَعْتُ، وَعِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَنَّهُ لَمَّا أَصْبَحَ تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدَ النَّبِيَّ قَدْ هَاجَرَ، فَأَتَاهُ فَأَنْشَدَهُ أَبْيَاتًا يَقُولُ فِيهَا:

أَتَانِي رُئي بَعْدَ لَيْلٍ وَهَجْعَةٍ … وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبِ

ثَلَاثُ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ … أَتَاكَ نَبِيٌّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ

يَقُولُ فِي آخِرِهَا:

فَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ … سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ

وَفِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الْمُرْسَلَةِ فَالْتَزَمَهُ عُمَرُ وَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْكَ.

قَوْلُهُ: (وَلُحُوقُهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا) الْقِلَاصُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالْمُهْمَلَةِ جَمْعُ قُلُصٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَهُوَ جَمْعُ قُلُوصٍ، وَهِيَ الْفَتِيَّةُ مِنَ النِّيَاقِ، وَالْأَحْلَاسُ جَمْعُ حِلْسٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ تَحْتَ الرَّحْلِ، وَوَقَعَ هَذَا الْقَسِيمُ