للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِعَبْدِهِ﴾ أَيْ: جَعَلَ الْبُرَاقَ يَسْرِي بِهِ كَمَا يُقَالُ: أَمْضَيْتُ كَذَا أَيْ جَعَلْتُهُ يَمْضِي، وَحَذَفَ الْمَفْعُولَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ الْمُسْرَى بِهِ لَا ذِكْرَ الدَّابَّةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٌ اتِّفَاقًا وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ، وَقَوْلُهُ لَيْلًا ظَرْفٌ لِلْإِسْرَاءِ وَهُوَ لِلتَّأْكِيدِ، وَفَائِدَتُهُ رَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى سَيْرِ النَّهَارِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ لَا فِي جَمِيعِهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سَرَى فُلَانٌ لَيْلًا: إِذَا سَارَ بَعْضَهُ، وَسَرَى لَيْلَةً: إِذَا سَارَ جَمِيعَهَا، وَلَا يُقَالُ: أَسْرَى لَيْلًا، إِلَّا إِذَا وَقَعَ سَيْرُهُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ يُقَالُ: أَدْلَجَ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا﴾ أَيْ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَخَالَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لِأَبِي سَلَمَةَ فِيهِ شَيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ زِيَادَةً لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا كَذَّبَنِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْم يهَنِيِّ: كَذَّبَتْنِي بِزِيَادَةِ مُثَنَّاةٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ، وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي طُرُقٍ أُخْرَى: فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: افْتُتِنَ نَاسٌ كَثِيرٌ - يَعْنِي عَقِبَ الْإِسْرَاءِ - فَجَاءَ نَاسٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقُهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيقَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: … فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ مَرَّ بِي عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ بِذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ: فَانْفَضَّتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ حَتَّى جَاءُوا إِلَيْهِمَا فَقَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي. فَحَدَّثْتُهُمْ، قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا، قَالُوا: وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ الْحَدِيثَ. وَوَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ مَا رَآهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ، فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ. فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتُ؟ صَلَّيْتُ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرَةُ، يَعْنِي بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ أَوَّلَ مَا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ بِأَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: انْزِلْ فَصَلِّ. فَنَزَلَ فَصَلَّى، فَقَالَ: صَلَّيْتُ بِيَثْرِبَ ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ مِثْلَ الْأَوَّلِ.

قَالَ: صَلَّيْتُ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ - فَذَكَرَ مِثْلَهُ - قَالَ: صَلَّيْتُ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ شَدَّادٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: يَثْرِبَ: ثُمَّ مَرَّ بِأَرْضٍ بَيْضَاءَ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ. فَقَالَ: صَلَّيْتُ بِمَدْيَنَ، وَفِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِي فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مَرَّ فِي رُجُوعِهِ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا صَوْتُ مُحَمَّدٍ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنَّ عِيرَهُمْ تَقْدَمُ فِي يَوْمِ كَذَا، فَقَدِمَتِ الظُّهْرَ يَقْدُمُهُمُ الْجَمَلُ الَّذِي وَصَفَهُ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَجُمِعَ لِي الْأَنْبِيَاءُ، فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ أَنَّهُ مَرَّ بِشَيْءٍ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ. وَأَنَّهُ مَرَّ عَلَى عَجُوزٍ فَقَالَ: مَا هَذِهِ: فَقَالَ: سِرْ، وَأَنَّهُ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ فَسَلَّمُوا فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ارْدُدْ عَلَيْهِمْ - وَفِي آخِرِهِ - فَقَالَ لَهُ: الَّذِي دَعَاكَ إِبْلِيسُ، وَالْعَجُوزُ الدُّنْيَا، وَالَّذِينَ سَلَّمُوا