للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُنَاسِبَاتِ الْمُسْتَبْعَدَةِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الطَّسْتَ يُنَاسِبُ ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: مَكَانَهُ ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، وَفِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ: فَحُشِيَ بِهِ صَدْرُهُ وَلَغَادِيدُهُ بِلَامٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ عُرُوقُ حَلْقِهِ، وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ عَلَى مَا يُدْهَشُ سَامِعُهُ فَضْلًا عَمَّنْ شَاهَدَهُ، فَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ قَلْبُهُ يَمُوتُ لَا مَحَالَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ذَلِكَ ضَرَرًا وَلَا وَجَعًا فَضْلًا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي شَقِّ قَلْبِهِ - مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَنْ يَمْتَلِئَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً بِغَيْرِ شَقٍّ - الزِّيَادَةُ فِي قُوَّةِ الْيَقِينِ، لِأَنَّهُ أُعْطِيَ بِرُؤْيَةِ شَقِّ بَطْنِهِ وَعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِذَلِكَ مَا أَمِنَ مَعَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَخَاوِفِ الْعَادِيَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَأَعْلَاهُمْ حَالًا وَمَقَالًا، وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ شَقُّ صَدْرِهِ وَغَسْلُهُ مُخْتَصًّا بِهِ أَوْ وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي قِصَّةِ تَابُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ الطَّسْتُ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِالْمُشَارَكَةِ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا الْبَحْثِ فِي رُكُوبِ الْبُرَاقِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ) قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي الْإِسْرَاءِ بِهِ رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَيِّ الْأَرْضِ لَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ تَأْنِيسًا لَهُ بِالْعَادَةِ فِي مَقَامِ خَرْقِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا اسْتَدْعَى مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ يَبْعَثُ إِلَيْهِ بِمَا يَرْكَبُهُ.

قَوْلُهُ: (دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضُ) كَذَا ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَرْكُوبًا أَوْ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ الْبُرَاقِ، وَالْحِكْمَةُ لِكَوْنِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الرُّكُوبَ كَانَ فِي سِلْمٍ وَأَمْنٍ لَا فِي حَرْبٍ وَخَوْفٍ، أَوْ لِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ بِوُقُوعِ الْإِسْرَاعِ الشَّدِيدِ بِدَابَّةٍ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ فِي الْعَادَةِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ) هَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ، أَيْ هُوَ الْبُرَاقُ وَقَعَ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلَفْظِ الْبُرَاقِ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ.

قَوْلُهُ: (يَضَعُ خَطْوَهُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَوَّلَهُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَبِضَمِّهَا الْفَعْلَةُ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ) بِسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ أَيْ نَظَرِهِ، أَيْ يَضَعُ رِجْلَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى مَا يَرَى بَصَرُهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى، وَالْبَزَّارِ: إِذَا أَتَى عَلَى جَبَلٍ ارْتَفَعَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا هَبَطَ ارْتَفَعَتْ يَدَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِأَسَانِيدِهِ: لَهُ جَنَاحَانِ، وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَعِنْدَ الثَّعْلَبِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ الْبُرَاقِ: لَهَا خَدٌّ كَخَدِّ الْإِنْسَانِ وَعُرْفٌ كَالْفَرَسِ وَقَوَائِمُ كَالْإِبِلِ وَأَظْلَافٌ وَذَنَبٌ كَالْبَقَرِ، وَكَانَ صَدْرُهُ يَاقُوتَةً حَمْرَاءَ قِيلَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرْكِ تَسْمِيَةِ سَيْرِ الْبُرَاقِ طَيَرَانًا أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَكْرَمَ عَبْدًا بِتَسْهِيلِ الطَّرِيقِ لَهُ حَتَّى قَطَعَ الْمَسَافَةَ الطَّوِيلَةَ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنِ اسْمِ السَّفَرِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ. وَالْبُرَاقُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَرِيقِ، فَقَدْ جَاءَ فِي لَوْنِهِ أَنَّهُ أَبْيَضُ، أَوْ مِنَ الْبَرْقِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَاةٌ بَرْقَاءُ إِذَا كَانَ خِلَالَ صُوفِهَا الْأَبْيَضِ طَاقَاتٌ سُودٌ، وَلَا يُنَافِيهِ وَصْفُهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْبُرَاقَ أَبْيَضُ؛ لِأَنَّ الْبَرْقَاءَ مِنَ الْغَنَمِ مَعْدُودَةٌ فِي الْبَيَاضِ. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مُشْتَقًّا، قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: خُصَّ الْبُرَاقُ بِذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مَلَكَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنَ الدَّوَابِّ.

قَالَ: وَالْقُدْرَةُ كَانَتْ صَالِحَةً لِأَنْ يَصْعَدَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ بُرَاقٍ، وَلَكِنْ رُكُوبَ الْبُرَاقِ كَانَ زِيَادَةً لَهُ فِي تَشْرِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَعِدَ بِنَفْسِهِ لَكَانَ فِي صُورَةِ مَاشٍ، وَالرَّاكِبُ أَعَزُّ مِنَ الْمَاشِي.

قَوْلُهُ: (فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي سَعِيدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى: فَكَانَ الَّذِي أَمْسَكَ بِرِكَابِهِ جِبْرِيلُ، وَبِزِمَامِ الْبُرَاقِ مِيكَائِيلُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ مُسَرَّجًا مُلَجَّمًا فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَوَاللَّهِ مَا رَكِبَكَ خَلْقٌ قَطُّ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: فَارْفَضَّ عَرَقًا. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ