ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ فِي نَحْوِ قِصَّةِ الْمِقْدَادِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَأْتِيَ بَرْكَ الْغِمَادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَلَا نَكُونُ كَالَّذِينَ قَالُوا لِمُوسَى - فَذَكَرَهُ وَفِيهِ - وَلَعَلَّكَ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ فَأَحْدَثَ اللَّهُ غَيْرَهُ، فَامْضِ لِمَا شِئْتَ، وَصِلْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ، وَسَالِمْ مَنْ شِئْتَ، وَعَادِ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ قَالَ: وَإِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ غَنِيمَةَ مَا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَأَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ الْقِتَالَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ: إِنِّي أُخْبِرْتُ عَنْ عِيرِ أَبِي سُفْيَانَ، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ يُغْنِمُنَاهَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ. فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ: قَدْ أُخْبِرُوا خَبَرَنَا فَاسْتَعِدُّوا لِلْقِتَالِ. فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِقِتَالِ الْقَوْمِ. فَأَعَادَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ: لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى وَلَكِنْ نَقُولُ: إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ. قَالَ: فَتَمَنَّيْنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَوْ أَنَّا قُلْنَا كَمَا قَالَ الْمِقْدَادُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نَحْوَهُ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ سعد مُعَاذَ هُوَ الَّذِي قَالَ مَا قَالَ الْمِقْدَادُ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ لِلْمِقْدَادِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ إِنَّمَا قَالَ: لَوْ سِرْتَ بِنَا حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَكَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
وَعِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: لَوْ سِرْتَ بِنَا حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غِمْدِ ذِي يَمَنٍ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَإِنْ كَانَ يُعَدُّ فِيهِمْ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْغَزْوَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَشَارَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَا بَلَغَهُ خَبَرُ الْعِيرِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ وَالثَّانِيَةُ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ ذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ شَرْحُ بَرْكِ الْغِمَادِ، وَدَلَّتْ رِوَايَةُ ابْنِ عَائِذٍ هَذِهِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْيَمَنِ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهَا أَرْضُ الْحَبَشَةِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّهُ لَقِيَهُ ذَاهِبًا إِلَى الْحَبَشَةِ بِبَرْكِ الْغِمَادِ فَأَجَارَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْيَمَنِ تُقَابِلُ الْحَبَشَةَ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورَةِ: وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَّبِعُونَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَلَكِنِ انْطَلِقْ أَنْتَ وَرَبُّكَ إِنَّا مَعَكُمْ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَخَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُمَيْلٍ بِالزَّايِ مُصَغَّرٌ وَاسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ الْحَدِيثَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَكَاثُرَهُمْ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَقَلَّهُمْ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ لَا تُودِّعْ مِنِّي، اللَّهُمَّ لَا تَخْذُلْنِي، اللَّهُمَّ لَا تَتِرْنِي، اللَّهُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute