للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنْشُدُكَ مَا وَعَدَّتْنِي، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَتَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُجَادِلُ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدَّتْنِي.

قَوْلُهُ: (يَوْمُ بَدْرٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الْآتِيَةِ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعَرِيشُ الَّذِي اتَّخَذَهُ الصَّحَابَةُ لِجُلُوسِ النَّبِيِّ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَالْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الدَّالِ، أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا سَمِعْنَا مُنَاشِدًا يَنْشُدُ ضَالَّةً أَشَدَّ مُنَاشَدَةً مِنْ مُحَمَّدٍ لِرَبِّهِ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ مَا وَعَدْتَّنِي قَالَ السُّهَيْلِيُّ: سَبَبُ شِدَّةِ اجْتِهَادِ النَّبِيِّ وَنَصَبِهِ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَنْصَبُ فِي الْقِتَالِ، وَالْأَنْصَارُ يَخُوضُونَ غِمَارَ الْمَوْتِ، وَالْجِهَادُ تَارَةً يَكُونُ بِالسِّلَاحِ وَتَارَةً بِالدُّعَاءِ، وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَرَاءَ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ، فَتَشَاغَلَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الدُّعَاءُ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ: اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ. أَمَّا تَهْلِكُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَالْعِصَابَةُ بِالرَّفْعِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَلَوْ هَلَكَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُبْعَثْ أَحَدٌ مِمَّنْ يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ، وَلَاسْتَمَرَّ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ، فَالْمَعْنَى لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ أَيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: قَاتَلْتُ يَوْمَ بَدْرٍ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَرَجَعْتُ فَقَاتَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ فَوَجَدْتُهُ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ، عَنْ خَالِدٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ قَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ الْآيَةَ، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ اهـ. وَعُرِفَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: كَذَاكَ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى كَفَاكَ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: كَذَاكَ يُرَادُ بِهَا الْإِغْرَاءُ وَالْأَمْرُ بِالْكَفِّ عَنِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

كَذَاكَ الْقَوْلُ إِنَّ عَلَيْكَ عَيْبًا

أَيْ حَسْبُكَ مِنَ الْقَوْلِ فَاتْرُكْهُ اهـ وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ الْأَصْلَ كَفَاكَ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَوْثَقَ بِرَبِّهِ مِنَ النَّبِيِّ فِي تِلْكَ الْحَالِ ; بَلِ الْحَامِلُ لِلنَّبِيِّ عَلَى ذَلِكَ شَفَقَتُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَقْوِيَةُ قُلُوبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ، فَبَالَغَ فِي التَّوَجُّهِ وَالدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ لِتَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَسِيلَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ مَا قَالَ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ اسْتُجِيبَ لَهُ لِمَا وَجَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، فَلِهَذَا عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَانَ النَّبِيُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ، وَهُوَ أَكْمَلُ حَالَاتِ الصَّلَاةِ، وَجَازَ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَقَعَ النَّصْرُ يَوْمَئِذٍ؛ لِأَنَّ وَعْدَهُ بِالنَّصْرِ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لِتَلِكَ الْوَاقِعَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُجْمَلًا. هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ، وَزَلَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الصُّوفِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ زَلَلًا شَدِيدًا فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ أَشَارَ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ جَمْعٍ يُهْزَمُ؟ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَثِبُ فِي الدُّرُوعِ وَيَقُولُ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ. وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عُمَرَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ جَمْعٍ